الأحد، 28 مارس 2021

Hiamemaloha

رهان وقطرات للأديبة سميا دكالي

 #قصة_قصيرة 📚


#رهان_وقطرات 💦

بقلم الأديبة سميا دكالي

انفرجت أسارير وجهه هذا المساء وهو يتأمل السماء وكأنه يبحث عن شيء مفقود يملأ الحياة، كانت صفحة السماء رمادية مليئة بالغيوم كلوحة زيتية اختلطت ألوانها فمالت الى السواد، حتى بدت تعبر عن الحزن وهي على وشك أن تسيل عبراتها المحبوسة، اعتراه برد جعله يرتعش من شدته، من المؤكد أنها سوف تغدق عليهم  بقطرات تهز تربة الأرض العطشى، وتمسح وجهها المملوء بالغبار فتروي ظمأها، بعد غياب طال أمده،  هم في حاجة إليها لقد مرت عليهم سنتان عانوا فيها من شدة الجفاف.

دخل إلى كوخه المتواضع معلنا ذلك الخبر السار لزوجته علّها ترتاح وتريحه من ترديد تلك الكلمات فكم أسمعته قائلة: 


- مابك يا عمر لما لا تفكر بعد للرحيل من هنا؟ فما عاد لنا بقاء هنا، على  الأقل لن نبقى كل سنة ننتظر قطرة ماء بشوق.


أجابها مستغربا:


- وهل تظنين أننا إذا هجرنا أرضنا التي تجود علينا بالعطاء سوف نجد الأفضل، حتما سوف ينتابك الحنين إليها ؟ تلك القطرات ستأتي لا محالة ما علينا سوى أن نتسلح بالصبر ونصمد.


ردت عليه ببرود


- أنت تحيا في زمن لايشبهك ولا يعترف بتلك المبادىء التي تقدسها مع الأسف. 


ما ارتاح لفكرتها خيبت أماله لقد كان يود لو كانت متشبتة بالأرض  وأن تمثل لها أكثر من ذلك،  مادامت هي منبت جدورها التي فيها وجدت، وتشربت من ماء تلك القطرات حتى نمت وترعرت واشتد عودها، وقد منحتها كل الحب والوفاء، ما خدلتها أرضها حتى تبادلها بالنكران فكم جادت عليها وكبرت في كنفها، وهل لجدورها الآن التي غاصت فيها أن تقتلعها لتُغرس في مكان آخر دون أن تشعر بغربة؟ سيكون ذلك مستحيلا، ربما قد تكمل حينها حياتها وحنين بداخلها يشدها إلى هناك، ليس بالخبز وحده يحيا الانسان كم أشفق عليها! وهي تبحث في سراب دون أن تعي شيئا عما تنشد إليه.


كان يتساءل مع نفسه ويفكر وهو في فناء الكوخ عيناه شاخصة في السماء، يترجاها أن لا تحبس دموعها حتى تعم البهجة على كل الوجود، وتعيد للطبيعة بهاءها فتلبسها حلتها التي تنتظرها وتشرق شمس الأمل معها بعد الغيوم، ما أجابها عمر وهي تتمتم بكلمات غير مسموعة لشدة تدمرها من الوضع، تركها  دون أن يعيرها انتباه، لن يلومها يعي أن ثقل الحياة أنهكها حتى بات فوق تحمل مقدرتها، فإن صبرت هي فالأولاد لن يقاوموا الجوع والفاقة، ولا أحد سيرحمهم إن لم تأتي تلك القطرة. 


حاول طرد كل تلك الهواجس من رأسه لينام، لكنه سمع ابنه الكبير يهمس في أذن أمه قائلا:


- صديقي أحمد البارحة جمعوا أمتعتهم وهاجروا باتجاه العاصمة، أخبرني أن هناك سيدرس ويعمل، لقد باع أبوه كل شيء.


لم يتمالك أبوه حينها أردف قائلا:


- لننتظر غدا  اذا لم نغث بقطرات، أعدكم سوف أحقق حلمكم وإن كنت لا أراه حلما. سيظل سراب نجري وراءه.


لقد  أعطاهم الآن وعدا ولن يخلفه، ما يرجوه في قرارة نفسه أن لا تخدله تلك القطرات هو رهان متوقف عليها. لم يشعر إلا والنوم قد جثم عليه، سافر به إلى حلم  وسط أرضه، وهو يحمل فأسه ويقلب تربتها، سرعان ما الزخات بدأت تهطل عليه بغزارة حتى ابتلت ملابسه والرعد يقصف دون توقف،  استيقظ مذعورا وقد رأى البرق يلمع في فناء الكوخ إلى أن امتلأ نورا، وصوت القطرات مصاحبة معه تتناثر بهدوء، وكأنها تهمس له أنها قد وفت بوعدها فأتته، قفز من شدة الفرح باتجاه الفناء محتضنا إياها بحب.  وهو يشكر ربه على فضله، الآن ستشرب الأرض من مائها، لن يتركها ليبحث في السراب، يعلم أن حلمه في الأرض ولن يعثر عليه في مكان آخر، لقد أحبته كما أحبت الكل، فهي من تحضن الجميع عند الممات، ما على الانسان سوى أن لا يهملها  فالحياة لن تكتمل دورتها، ما لم نعمل على إمداد بعضنا البعض  تلك هي سنتها.


        #سميا_دكالي

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :