السبت، 17 فبراير 2024

خنساء الشام

أغنية جراحي الخضراء للشاعر فتحي فايز الخريشا

 ُ           ★ * أغنية جراحي الخضراء * ★ 

أغنِيَّة جراحي الخضراء ..

̍تهبُّ على أهدابِ عينِيكِ ..

ترتمي على شفتِيك تعبُّ الجراح ..

تدندن شوقا يحترقُ شجنا لبعدِ اللقاء ..

تلهبُ الليل موَّال أنين ما أنْ يَتناءَى̍ عن شواطئ أحزاني حتى تمطرهُ عزفاً من عويلٍ دموعُ السَّماء .. 

تعصف بالعُبُوديَّةِ الرَّقطاء ..

تعصف بأبواقِ الٱستِيقاظِ فليس إلَّا الحِجَارةُ الصَّماء ..

فُتاتٌ وكسارةٌ لمهبّ أمواج الرِّيح ..

وَقرٌ ضرب على الآذانِ وأَلسِنةٌ خرساء ..

إيهٍ أغنية أوتارها من شرايين قلبي المُتدلية خيمةً فوق قبابِ صدرِكِ من أنوارِ الشَّوقِ لِلإلْتِقاء .. 

أوتارها مشدودة بين جذور شجرة الحياة وما منها من عساليج ترفُّ في أثيرٍ وفضاء ..

وألحانها تنسكبُ من أفياضِ روحي على كلِّ سَقمٍ للنفسِ شفاءً ..

تنسكبُ بوجعِ الوجدِ فوق مسافاتِ الألمِ المُسافرُ نحوكِ للخلاص من غربةِ الشَّقاء ..

تسافرُ على أجنحةٍ من أنوارِ شمعةٍ إلهِيَّةِ الضِّياءِ ..

تمرُّ على جَمرِ النَّارِ المُتقد بحُرقةِ الحرمان وغِبْطةِ العزلةِ في أفئدةِ الغرباءِ.. 

تمرّ بالظلامِ المُسدلِ من إدلهمامِ الظلم على عينيكِ الحوراء ..

تمر موكبًا ذو سناءٍ .. 

ينتشر في ضبابِ الدُّرُوب ..

نُور إلهٍ تجسد فيكِ ..

وأصداءُ عاصفة تتهيأ للبدءِ في الترحال ..

ينهضُ لهَا البحر من قوقعة الصَّمت ..

أمواجُ تمردٍ على زُمَرِ القطِيعِ وغضبٌ من النُّكُوصِ للٱنْحِسارِ وقهقرى̍ الٱنْكِفاء ..

تهدر بأناشيدِ قهر تشدوها ألْهِبَةُ البُرَحاءِ ..

تصطدم بالصُخُورِ المُتصخِّرةِ من أصدافٍ وترابٍ على نساجَّةِ هلام من طين ورماد ..

ترتد عبابًا من وَهْمٍ صنو ضوءٍ مُتكسرٍ يلوح في أحارِرِ أجواءٍ لكأنَّهُ لجَّةُ أمواهٍ ماهت بعيْنِ حقيقةٍ مُمَّوهةٍ عن زورِ باطلٍ وخدِيعةٍ خبلاءِ .. 

وصفير ريح في الفراغ هيهات لهُ من أصداءٍ ..

لتحُومُ قليلا أغنيتي الخضراءُ بأجنحةٍ مُتكسرةٍ في القبَّةِ فوق الماءِ والرَّملاءِ..

ومَا تلبث لسقوط على الزَّبَدِ يُغطِيهَا الضَّبَابُ .. 

أمواج مرايا مطليَّة بِرَأرأِ السَّرابِ ينخرها الصَّدأُ لٍيستوطنُها سُكارى̍ الحماقةِ بأعيُنٍ غبشاءٍ ..

* أغنيّة جراحي الخضراء ..

ألحانُهَا حُزنُ الضَّيَاعِ ..

بُكاؤها على زمنِ النَّهبِ والصّراع ..

تجتاح أسنة الرِّمَاح تلثمُ ثغرَكِ البَاسِم الحزين ..

تترنَّحُ على النَّهرِ المذبُوح على مذبحِ عِداءِ الأبشار ..

تنشد حكاياتِ الأساطيرِ القديمةِ على أوتارِ أخيلةِ الذكريات ..

ذاكرة تلفها أشجانُ نفحاتِ النَّاي المكْرُوب ..

ذاكرة نفتها جارحةُ الأيامِ مُجندلةً على صخورِ شواطئِ النِّسيان .. 

غريبة لمنافي الشقوات ..

فإيهٍ لا تحزني يا حبيبة الكون ..

يا نجمة السَّلامِ التي خنقوا فيها ضِيَاءَ الحُرِّيَّة بدُهمةِ الطغيان ..

أولوا النورِ لم تزل إرادتهم قويَّة مشحونة بطاقةِ الحَقِّ لدرءِ كلَّ حيفِ ٱضطِهادٍ وجور ٱستِبداد .. 

لم تزل غايتهُم ناهدةً تحدوها الحِكْمَة نحو رنوها لسَنِيِّ كُلِّ جمال ..

تتغلغل في الجراح تبرؤها على دربِ التَّحدي شفاءً من كُلِّ عجز وقنوط ..

* أغنية جراحي الخضراء ..

تهبُّ على خصلاتِ شعرك كما النسمات .. 

تزرع زهرةً وزهراتٍ في أكمامِها أقمار ونجمات .. 

وتمضي طليقة تجنّحُ بأوتارِ الحريَّةِ نحو كلِّ جَوبَةِ بَسِيطةٍ وجَبهَةِ فضَاءٍ ..

تتجول بالرَّوايا في كلّ الرُّؤى̍ قبيل الشروق لتقطف أثمار المحبَّةِ والسَّلامِ لمائِدةِ الإِنسان ..

تنبعث مع هديرِ أمواج البحارِ على إيقاعات سمفونِيَّة صراخ المعذبين ..

تشرئِبُّ دميعات حدود القلب المُسيج بديجُور قيودِ الاِستِعبادِ ..

وكلما منها شادِية لخلاصٍ تطاردها عواصفُ عويلِ الدَّمارِ والخراب ..

أعاصير لمْ تبقِ على شجرٍ بخبلةِ ريحٍ ووَابِلِ مطر ..

ريحُ تباب قاصفة مَا لدورانِهَا مِن هَامِدة لرفعةِ بناءٍ ..

أمد الأجنحة نحو الشمس ..

فترتد قيود قهر ..

كلّ ما تبقى̍ أغنية أبثها من نار ..

وهذهِ المدن الممتدة على صَدرِ المَحقلةِ تذبح في أقبيةِ القصُور ومحافل الأبَاجِير ..

معاقلُ العفنِ النَّاعقة على كُلِّ المدائِنِ بالهدمِ والهلاك ..

أقبية معابدٍ تدور بسخيفةِ إشارتٍ وطلاسمِ رموزٍ تمجُّ الغرور ..

ضجيج رُؤُوس أفاعي فوق مقاعدِ الوحلِ الآجِنِ بخبلةِ الأخاديع وبوُعُودٍ مُرتجة بالأكاذيبِ والتّضليلِ مَا لهَا من صِدقِ عَهْد ..

فإيهٍ عند أوَّل آفاق اليقظة حيث يتجلّى̍ الحقُّ على زخرفِ الباطلِ الخدَّاعِ ..

يَدُبُّ المحرُومُون في اِنْتِظارِ الفجر ..

يَنثرُون حَبَّ البيادرِ في أثلامِ الأسحار ..

يَصدحُون بأناشيد الأمل لصحوة المشاعر ..

يَسكنُون عمق الجرح الغائر ..

يَرسمُون على التُّراب وحدة الخرائط ..

يسألون في ظمأٍ يَحومُ بأجنحِ الحيرةِ فوق ينبوع المَعرِفةِ العذب الوضاح ..

إلى متى̍ تبقى̍ المُدن كسيحة الأسْتِغلال ..

تنعق الغربان فوق الرُّؤوس تنبشها بالفتن والاِقتِتال ..

إلى متى يبقى̍ الظّلامُ خنجرًا في صدرِ النّهَار ..

جهل مُتجذَّر وتسلط أسْتِبداد وضَيم اِضْطِهَاد .. 

إلى متى تبقىٰ شراهة رِيح الإعصَار تلتهم البيوت والأشجار ..

تعيث فسادًا لحيثمَا تشاء ..

إلى متى يدُّ العبثِيَّةِ تبعثرُ السُّحبَ بددا كلّمَا أبرقتِ السَّمَاءُ للمطر ...

* أغنية جراحي الخضراء ..

إمتداد ثورة كفاح الإنسان ..

أنغامُهَا تعزف على أوردةِ نضَارةِ الحياةِ وحروفُها تمتح من أنوارِ شمسِ شارقةِ الصَّباح ..

فلا تدمعي الأنين حبيبة الكون ..

أيَّتُها المدينة المصلوبة بين الجرح والملحِ ..

مرتحل إليك أنا عبر كلِّ العصور ..

بالأمس صلبوا أرضنا تجترها طواحين حضاراتِ النهب والاِستغلال ..

كنا عبيدا لكل مدائِن الٱفتِراسِ ..

أجسادنا لمفارمِ عبودةِ الاِستِرقاق ..

واليوم حصار ونار ..

وللغدٍ قد أعدَّ للناسِ خططاً لأحط من دابةِ الحيوانِ يتمعكها أذل القهر وأبشع العذاب ..

ربائِط على أرض العبودِيَّةِ مربوطة بممحاةٍ أن أين المفر ..

صامدون نعم وسنبقىٰ برغم الشقواتِ وقوف على الحقِّ وقدما للأمام ماضُون ..

لن نركع لملأ الطغيان أولئك مَا منهم من نسمةِ نسغٍ لخضِير ..

إنهم يرآؤُون وفي وضح النهار عُنقكِ الممتدُ ساقَ شجرةٍ من نورٍ نحو أعالي السَّماءِ نحرًا ينحرُون ..

لا تذرفي الدَّمع الهتون ..

هُم الأشواك في تربتك الشّمَاء ..

هُمُ اللوثة على العقولِ والدُّخان الملوثُ للهواءِ ..

هُم ُالأسنةُ في مائِكِ الفُراتِ السَّلسَبِيلِ ..

صهرهُم وشكلهُم أتون الحقد والتعصبِ والبَغضَاء ..

هُم لعنة على العدلِ والحريَّة وأمنةِ السَّلام ..

وجوه معفرة بذلةِ الرَّملاء ..

وعقول تصدأت عليها الغباوة والجهلاء ..

لا تذرفي الدمع الهتون ..

إنّا وبرغم جبروت الظلم قادمون ..

من سجنِ الأجنُحِ وصمت الغلاصمِ وأسر الأرواحِ ..

من التشرد والمنافي وبؤس الشقاءِ ..

من رغدِ اليُسرِ ونعمةِ كلِّ هناءِ سَرَّاءٍ ..

ومن كلّ مكان فيهِ الفرسانُ الأحرار الصلحاء يَناضِلُون ..

ووَعد علينا أن نحررك من الأشرار الظّالِمِين ..

عهد علينا أنْ نمضي قدمًا لِحوز كُلَّ أعالِيك لنُوْرِ الحرِّيَّةِ والسَّلام ..

لنُورِ المَحبّةِ والخير والجَمَال ..

لنُورِ الإِنْسَانِيَّةِ للنّاسِ جمعاء .. 

عين إله النورِ تحرصكِ من كُلِّ عيْنِ شرور ..

لك التاج السَّامِي ليس لسواكِ .. 

فإيهٍ أغانينا الخضلاءُ على أهدابِ عينيكِ تحط الرِّحال وحول عينِيك تدور ..

تدور بِوَجْدِ العشقِ إيهٍ وبتطوافٍ نورانِيٍّ تدور .. .


       من ديوان ⁎ في ظلال الشمس ⁎  لمؤلفه :

                 المهندس فتحي فايز الخريشا

                                 ( آدم )

خنساء الشام

About خنساء الشام -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :