**المرايا لا تزيّف حقيقتك**
كرهتُ ملامح وجهي
وفي لحظة حمق كسرتُ المرايا
فتتسابق شظايا الزّجاج المهشّم
لتلملم شتاتها المبعثر في كلّ زاوية
تتلمّسُ أنصاف الوجوه
وتجمّعُ مناديل العشق خارطَةَ وطن
كُتبتْ هويّته بأحرف تائهة
مشبعة بالألم
اللّوحة ارتسمتْ بأبعاد أخرى
وملامح أخرى
ومعاني أخرى
ولكنّ وجهي –بعد التّجميل-
صار غريبا عنّي
وجهٌ متكلّسٌ
بلا طعم
ولا لون
ولا رائحة
إنّه بلا شكّ عُصارة حرب طاحنة
فأهرع للاختباء
وأرى السّماء قريبة جدّا
تكاد تقع على قمّة رأسي
وتطبق بشراسة على أديم الأرض
ولكنّي أعتقد بأنّ الله قريب في كلّ مكان
يحنو على قلوبنا الصّغيرة المرتجفة
أنا يا سيّدتي التّي أحبّها ولا أعرفها
لا أخاف العشق المدمّر
ولا أرهب هطول المطر
ولا يهمّني أن أعرف مسارات العمر
وأعشق حتّى النّخاع مفاجآت السّفر
قِممي تتهاوى عند قدميّ
وقِيَمي صارت تباع في سوق النّخاسة
وشيمي ارتحلتْ إلى الماضي السّحيق
ولا حقيقة ثابتة إلاّ الله
فلا تقسُ على نفسك
المرايا كاذبة
لا تصوّر ما ارتسم في قعر الذّات العميق
مجرّد ملامح جامدة
نجمّلها بسحر الابتسامة
ماذا أصنع لأراك كما أنتَ؟
أيعقل أن ينتحر الفراش عند سيقان الزّهور؟
وتفرّ الأرواح من أجساد نخرها الزّيف
واحتوتها ظلمات القبور
لست معلّما ولا أدّعيه
ولكنّني بالحرف أحاول ترتيب العالم من حولي
فينضج القصيد مع السّنابل
محمّلا ببقايا النّشيد
وبعض منّي لم ينضج بعد
بيد أنّه يدوّن التاريخ
ويعكس وجهي على صفحة الماء
وفي زرقة السّماء
وحكايا المساء
بقلم : عبد الستار الخديمي -تونس