الخميس، 21 يناير 2021

Hiamemaloha

بين مد وجذر للأديبة لمياء بولعراس

 قصة قصيرة 

بين مدّ وجزر 

 بقلم الأديبة لمياء بولعراس

كان يستبطن البحر في خلجاته ،يتموّج معه في خواء عجيب ،كلّما وطأت قدماه الشّاطئ اندسّ فيه ذلك الخواء وانقلب امتلاء عابرا كعبوره اليوميّ لبحره الماثل فيه،تقدّم نحو الزّبد استهواه لُجينه الناصّع،غمس يديه فيه ،ورفعهما إلى السّماء يترحّم على من ألهمه التوغّل في أديم ملحه الساّحر .استكان مع مدّه وجزره فأخذ يركض على وقع جوقته سليلة ارتواءاته من الوجود ..ركض ..لهث وهو يستزيد من صورتها ..رسخت فيه ،استفاضت من جموحه لها ، حين أراد التخلّص من تقاسيمها المرسومة في دخيلته ،لم ينجح أبدا  في محو خباياها فيه ،لم يرتض لنفسه هذا الشّعور الغريب ، انبثق فيه مع توليفة لازمت صورتها ، أهي الغريزة الذكوريّة اعتملت فيه ،أم هواها المقدّر له  بعد نيف من العمر ...

جرى ،ركض ،لهث ،وفي كل خطو مارق على ماء البحر ،ارتجّ كيانه لها  وهو يلاقيها على الطرّف الآخر من امتداد الشّاطئ الشّرقي، نقرت نبضاته أعلى سترته فتراءى صدره مكشوفا ،يهتزّ مع اقتراب طيفها منه ، ماالذّي يقع له في سلطنته الأبيّة على الدّخيلات عليها؟! ،أرْجع ما يراوده من تجلّيات لصورتها إلى غريزة رجل ارتطم جدار ذكورته بجمالها ..لم يَرُم  ماذهبت له خباياه الدّفينة النّاطقة بالعشق...

تهافت في ركضه نحوها ،فرك عيناه ، حوريّة استوت مع الموج المعتقّ بشعرها ، لم يتفرّس وجهها بين مدّ وجزر ،ولكنّه استوعب ملامحه الرّاسخة في رغبته ..نعم رغبة دون حبّ ، ارتجّت لها تفاصيله حين يحويها في سريرته ، يخبو معها كلّ مخيال لبنات جنسها ..

 

أيعقل أن يقع في حبّها بعد ملاقاته معشرا من النّساء ،فيهنّ  الأشدّ فتنة ومكرا في غواية الرّجال...استولى عليه الماء الدفّاق يقتاده نحو حوريّته ..هو يقترب والطّيف يعلو فيسمو ، تطايرت له نظراته لهفة ،اه لو لمس شعرها المنساب على كتفيها لاكتنز ألف جاه وجاه من أساطير الأوّلين ليتحوّل ماء أجاجا يكسوها ،ملحه يغزوها  ، يتمايل به،يطيح به في نزوة أو رغبة..أو ...حبّ!! لم يعهد هذا الامتلاء   قبل مع سليلات  أنوثتها ..تنكّر لماضيه ومحقه في نظرة من لواحظها  ..اه  لو أملى شفتيه منها ، لتماهى الحاضر مع الأمس و وأصبح الغد معه رهين لقاء لاحق بها ..

جرى ركض على الشاطئ وهو يقترب خطوات من حوريّته 

كسته في وهلة  بشعرها ،مسحت به على محيّاه ..ثمّ غدت فراشة اغرورقت ألوانها بقزح انبثق من هزّات صدره ، قفز لها فانتفض لجناحيها  بجسده الملتاع بنار أنوثتها ...أهو الحبّ غزاه في تماهٍ أمثوليّ أم هو جموحه للارتواء من أنوثتها ، سحرها ...هي تعويذة الوجود ..حوريّة بحاره المنشودة...    فراشة  أحلامه السّريريّة ، حلّقت حول كتفيه ، وقعت عليهما ، اختلطت أنفاسه بعبقها ، ما إن يشارف على ملامستها حتّى تحطّ بعيدا عنه ...

جرى ،ركض، لهث ،باح لها بهيكل من الحبّ خرافي في تباريحه ،ولكنّه محنّط بالغريزة ، هكذا ارتأته ...تشرّبته...

تهاوت على حباّت الرّمل ،لم تُرد أن تتحوّل إلى قالبها الطّبيعي ..امرأة ..إن اكتسبت إنسانيّنتها من جديد  لامتثلت لرغبته وغريزته المكفهرّة بها ، والحبّ حُنِّط في تلك الذّكورية المرتجفة تحت وقع أنثويّ فاتن ...

طارت الفراشة بعيدا وحلّقت في المعالي فوق هامته ، وهي بين تحليق ووقوع إلى أن استرجعت صورة الأنثى فيها بعيدا ..بعيدا...عنه، تركت طيف الحوريّة والفراشة لانطلاقة كلّ امرأة حرّة ...

لمحها واشتّد ركضه نحوها وهو لا يدرك أهو الحبّ دافعه نحوها أم  الرّغبة المُحنَّطة ...وبقي بين مدّ وجزر ...وصل وقطع...يلازمه طيفها ...يطرده عنه  ثمّ يطارده ...


لمياء بولعراس

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :