إضاءات نقدية للأديب جمال عتو
نلتقي مجددا في فقرة إضاءات نقدية بمنتدى نبض القلم للشعر والأدب متناولين نصا قصصيا قصيرا للكاتب الأردني
محمد المعايطة .
****************. ****************
يخالجني ذاك الشعور الجميل حين يتكىء شعاع الشمس على نافذة غرفتي فسويعات الصباح ستعانقني وحينها يداي ستلامس جدار البستان لا محالة أن لا أقوم بذلك خشية ان تزداد مشكلتي .. ولكن تذكرت ان الجدار عالٍ وحصين فلابد من فعل ذلك رغم علوه ، هكذا تم بناؤه .. فمن بناه لابد ان له من القوة كحصن الجدار ومنعته .. نعم انه جدار حصين .. تساءلت هل حقا أستطيع أن اتسلقه .. حاولت ان يكون لي هذا ولكن تراودني أفكارٍ تريد أن تحررني من القيد ... حاولت تسلق الجدار مراراً وتكراراً .. يا الهي كم هو عالٍ كالحصن .. نعم هو مرتفع ولكن لربما انتظر قليلا لعل شخصا مارا من هنا يساعدني على تسلقه ....
انتظرت طويلا وبدأت الشمس تنتصف في كبد السماء ولم يأتي أحد ... جلست برفقة نفسي نتبادل أطراف الذكريات من الطفولة المبكرة من غير ما تتراءى لي أن استوعب ثقافة أو القراءة في كتاب أو تدوين تاريخ ولكن رغم ذلك كنت على يقين ما كان يدور من حولي
ما أجمل ما اسمعه الآن ، رجل نعم انه رجل قادمُ من بعيد أشعر بصوته الخشن يبدو انه متقدم بالعمر يغني اهزوجة وأيضا يخال الي ان ملامح وجهه قد ادركها الزمن ايضا اسمع صوت امرأة لابد انها زوجته ترافقه ، هههه تغني أنهما يغنيان معا تردد من وراءه ... انهما يغنيان معا .. ماذا يفعل الرجل في هذه الساعة الصباحية ايقطلع حطبا لموسم الشتاء أم أنه يريد ان يبني كوخا ملاصقا لمنزله ...
ياه ... كيف تكون الحياة خلف هذا الجدار الحصين ... فحين انظر للأعلى أرى اسرابا من الطيور كمن تتسابق فهي ليست بحاجة أن تتسلق الجدار مثلي فقد منحها الله أجنحة لتطير ...
مضت ساعات ولم أشاهد أي شخص يساعدني على تسلق الجدار ( تمنيت لو أن لي من القوة لتسلقته ) لابد لي من العودة إلى منزلي فالليل على وشك ان يبسط ظلامه وتكاد الشمس أن تحتضن الافق .
حتى الليل ليس بحاجة لأن يتسلق الجدار الحصين ... كأنني سمعت صوت إطلاق نار وصراخ امرأة تقول قد مات العجوز .. قلت في نفسي من أطلق النار ليموت رجل عاش بسلام يغني يجمع الحطب يبتسم للسماء يحمد الله ... أدركت أنني من الصعوبة بمكان أن اتسلق الجدار في هذا الوقت بالذات ... ولكن لربما في وقت آخر ....
__________________************__________________
النص الذي بين أيدينا يطرق باب الرمزية في السرد ، فكما وصل إلينا بدون عنوان ، ويجب ان يكون كذلك ليبقى مفتوحا على قراءات متعددة ويثير فضول القارئ جيدا ، فنحن نعلم أن القصة القصيرة ككعكة في متناول الجميع لكن كل منا له رأي خاص اتجاهها رغم أن لها شكل واحد وذوق واحد .
الكاتب هاهنا يتحدث عن نفسه صباحا وهو يهم بتسلق جدار البستان ، فشعاع الشمس تمنحه عزيمة لفعل ذلك لكن هذا الجدار منيع كالحصن ، يريد تحرره من القيد بكل ماأوتي من قوة ويبلغ مراده لتسلق الجدار ، ينتظر من يساعده ، طال انتظاره ولم ينفذ صبره ، سمع خشخشة شيخ طاعن في السن ترافقه زوجته يغنيان معا ولم يعرف ما مقصدهما ولا وجهتهما ، لا يدرك بطل القصة كيف تكون الحياة خلف هذا الجدار الحصين ، يريد أن يطلع على ذلك بشغف وهو ينظر للأعلى فيرى أسرابا من الطيور ، حتما هي ليست بحاجة إلى تسلق الجدار كما يريد هو ، تمنى ان تكون له من قوتها لتسلقه ، يحين الليل أخيرا وهو على ذلك الحال ، فالليل في نظره هو الآخر ليس بحاجة لأن يتسلق جدار البستان الحصين ، تداعى إليه صوت إطلاق النار وصراخ امرأة تقول قد مات العجوز ، الرجل الذي عاش بسلام يغني ويجمع الحطب ، يبتسم للسماء ويحمد الله ، أدرك البطل بعد إصراره الكبير أنه من الصعوبة أن يتسلق الجدار في ذاك الوقت ، مرجئا محاولته مرة أخرى إلى وقت آخر ، ربما ينجح حينها في ذلك .
فالشمس والإصرار والبستان مفردات تستدعي الأمل في النص والبطل تلك القوة الفاعلة التي تحملت الانتظار طول الوقت وتتطلع إلى قادم أجمل ، والجدار المنيع كالحصن عائق في وجه القوة الفاعلة ، لكن هذه القوة وإن لم تستسلم كانت ترقب من يساعدها على بلوغ مرادها ، أراد البطل أن يستعين بأحد لتسلق الجدار ، يظهر شيخ يغني برفقة زوجته ثم يختفي بعد أن قتل ، من قتل هذا الرجل المسالم ، وهل كان يحمل أسرارا أو على الأقل بعض ما يفيد البطل ، لغز بقي محيرا في القصة ، فهل كتب حتى على المسالم أن يدفع الثمن في صراع الإنسان ؟ ولماذا ؟ ولماذا قتل الشيخ لحظتها عندما كان البطل يعزم على تسلق الجدار ، ولماذا انتهت فصول القصة عندما حان الليل ؟ ، لماذا انتهت هنا ، حينها عدل البطل عن محاولته التسلق وأرجأ ذلك إلى وقت لاحق .
الفجر يحل بعد الليل وإن طال ، والفجر ايذان بأمل متجدد ، والشيخ كان رمزا لعهد ولى ليخلف بعده جيل جديد ، والبطل أحد مفردات هذا الجيل ، وجدار البستان سيبقى منيعا لا يجرأ على تسلقه إلا الأبطال في كل الأزمنة ، ذوي الهامات الشامخة ، اليأس لم ينل من نفس البطل ، والبستان رمز الخضرة سيبقى هدف كل متحرر في الأرض ينشد الحياة الكريمة ، والطيور ستبقى في السماء تعلمنا دوما معاني السموق ، وزوجة الشيخ امرأة شاهدة على غدر الزمن وأمينة على الخلف ، ولحظة مثول البطل أمام الجدار تختزل حياتنا في صراعها الأزلي الذي لن ينتهي حتى يأمر الله بالعودة ، والصباح آت لا محالة .
القصة التي بين أيدينا بدون عنوان وأردناها هكذا بدون عنوان ، فعنوانها كبير جدا يتسع لفلسفة عيشنا على هذه الأرض ، كما أنه عنوان مفتوح على كل القراءات باختلاف الرؤى .
النص الذي بين أيدينا رمزي رغم أنه لا يطرق باب الفنطازيا في القصة ورمزيته ناولته ذوقا بليغا زاد من جماليته ومتانته ، أسلوب النص يجنح الى السلاسة في التعبير الموصل إلى المعنى ولم يجنح الى عنصر التكثيف .
القصة القصيرة محتفظة بعناصرها من بداية ونهاية وشخوص وزمان ومكان ، لم يستدعي الكاتب حوارا ظاهرا فيها لكنه كان بإمكانه فعل ذلك .
ويبقى نصنا لهذا اليوم مهما مادام اشتغل على فلسفة الحياة بمفرداتها الأساسية كما ذكرنا سالفا رأيناه مستحقا لورقتنا المتواضعة لهذا الأسبوع .
إلى أن نلتقي مجددا في الأسبوع القادم مع نص آخر وقلم آخر نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .