السبت، 8 يوليو 2023

Hiamemaloha

رواية ثلاث شمعات الحلقة الثانية الغيرة للكاتب عبده داود

 ثلاث شمعات 

الحلقة 2

الغيرة

سافر  الطلبة الثلاثة على متن الطائرة، هدى جلست بجانب فارس،  يبدو هي قررت بشكل حتمي، بأن فارس هو حبيبها وخطيبها وشريك حياتها المستقبلي، وهذا يعني قراراً غير قابل للطعن، فارس هو لها وحدها... 

بينما فارس لم ينظر إلى هدى سوى زميلة دراسة، وهو الآن مسؤول عنها وعن سمير، لأن العميد كلفه بذلك...

جاءت المضيفة تقدم قدح قهوة طلبه فارس، تحركت هدى لتسحب مجلة من المقعد الذي أمامها، طرقت يدها بيد المضيفة، انسكبت القهوة على سترة فارس...

اعتذرت المضيفة بشدة، وذهبت مسرعة واحضرت مناشفا وعطرا، وأخذت تمسح سترته، وكانت تحادثه وتعتذر بلطف، محاولة أن تخفف عنه الواقعة... 

هدى لم يعجبها الأمر، سحبت المنشفة من يد المضيفة بعصبية، وقالت دعي عنك هذا، أنا سأتابع تنظيف سترته، شكرا لك...

قالت المضية أنا أقوم بواجبي...

فارس استغرب الأمر لكنه لاذ بالصمت. 

في مطار العاصمة الإسبانية. صبيتان استقبلتا الطلبة السوريين، وقدمتا نفسيهما بالعربية الفصحى: أنا ماريا وهذه زميلتي روزا: نحن طالبتان ندرس اللغة العربية في جامعة مدريد، وقد كلفتنا الجامعة باستقبالكم وارشادكم إلى السكن الذي خصص لكم في المدينة الجامعية...

غرف تفرح القلب بأناقتها وإطلالاتها على الحدائق الرائعة...

اليوم التالي قبيل الظهيرة، رن جرس الهاتف في غرفة فارس كونه هو المسئول عن البعثة.

قالت أنا ماريا، أرجوكم أن تأتوا إلى نادي الجامعة، نحن بانتظاركم أنا وزميلتي روزا... 

قالت ماريا: كلفتنا الجامعة بمرافقتكم هذه الفترة حتى موعد بدء دورة اللغة الإسبانية في السابع من الشهر القادم، وضحكت وتابعت أقصد في السنة القادمة...

كان افطاراً شهياً متعدد الأصناف من العسل والزبدة والخبز الشهي وغير ذلك...

قالت ماريا، ما رأيكم  نتنزه في المدينة، وفي الليل 

 نشارك الناس أفراحهم، رقصاً، وفرحاً، وطرباً، إنه أسبوع الفرح أسبوع الميلاد المجيد 

ركبوا مع ماريا في سيارتها الخاصة، جلس فارس إلى جانب السائقة ماريا... 

وهنا هدى نهشتها الغيرة كيف فارس يركب بجانب فتاة غريبة وليس بجانبها هي...فارس لها وحدها، ولا يجوز أن تشاركه معها أي فتاة أخرى مهما كانت صفتها... 

...رغم إن فارس لم يفكر ابداً بموضوع الارتباط مع أي إنسانة...ولم يلمح إلى هدى بكلمة غزل واحدة...هو في الحقيقة، قد أجل تلك الأمور إلى إشعار آخر، ولم يفكر في الحب  والهوى. هو أمام رحلة طويلة قد تستمر سنوات طويلة، سنوات مليئة بالدراسة والبحث العلمي، ولا بد في السنتين الأوليتين أن يتقن اللغة الاسبانية بجدارة وبامتحان صعب وإلا سيخسر البعثة بالكامل... ومن أجل النجاح لا بد من  الفداء والضريبة...

سمير يبدو اندمج في الحديث مع روزا، وكانا يضحكان بشدة، وهذا الأمر لا يعني هدى لا من قريب ولا من بعيد، لكن الذي أجج النار في قلب هدى، هي ماريا التي تأبطت بذراع فارس ودخلت أمامهم السوق العملاق، كانت تحادثه وكأنه لا يوجد غيرهما في المجموعة...

(المول) أسواق كبيرة لها بداية ولا يبدو لها نهاية... كان الإسبان أفواجا، أفواجا حاملين أكياس مشتريات العيد المختلفة... الهرج والمرج في المول على أشده، موسم أعياد، ونهاية سنة وولادة سنة جديدة... والكهرباء تتراقص فرحاً، وكأنها تشارك الناس في افراحهم وبهجتهم.

بينما عندنا في سورية الكهرباء التعيسة تضيف على آلامنا جراحا...

الإسبان يشترون، ويحتفلون بجزء زهيد من رواتبهم، بينما نحن ندفع كامل رواتبنا... ولا تكفينا شراء حذاء واحد لولد من أولادنا...

هم يغنون ويرقصون  في الشوارع، على ألحان العيد، بينما عندنا الغازون جعلونا نعيش على أصوات موسيقى الرصاص والانفجارات في كل مكان...

وماذا أقارن لأقارن لكم أصدقائي بين الحياة عندهم، والحياة عندنا...عالمهم غير عالمنا...وعصرهم غير عصرنا

أقول لكم بصراحة لولا مساعدة أصدقاء سورية الشرفاء، كنا خسرنا وطننا، وجعلونا عبيداً لهم، أو شردونا وشتتونا في شوارع العالم، غايتهم أن يفرغوا سورية من أهلها، فيسهل عليهم احتلالها...

المستعمرون والدول الخاضعة لسلطانهم فتحوا لنا أبوابهم على مصرعيها لاستقبال الفارين من سورية، تلك الأبواب التي كانت محرمة أن نلمسها، بينما اليوم صاروا يقدمون لنا السكن والطعام والمال وكافة الخدمات الإنسانية والغريب هي اموالنا العربية التي استباحوها ونهبوها تحت مسميات مختلفة مثل الرأفة بالمهجرين... وباسم الإنسانية وهم الذين يقتلوننا ويمشون في جنازاتنا...

سرقوا معاملنا وممتلكاتنا في وضح النهار، وأمام عيوننا... ولم نستطع حتى أن  نذرف دموعنا، خوفاً من أن يقتلونا رشاً بالرصاص، أو بقطع رقابنا بسيوفهم، وهم يصرخون ألله أكبر، الله أكبر، تماما كما يفعلون عندما يذبحون الماشية......والمعاناة السورية  كبيرة، أكبر من كل الكلمات... 

كانت المجموعة تحتسي القهوة، وتأكل الحلوى، وتشرب شراب الشوكولا الساخنة مع الحليب، والتي لم يتذوقوا طعماً مثلها قبل اليوم...لكن هدى رفضت أن تتذوق أي شيء وكانت كامدة مكفهرة...


الكاتب: عبده داود

إلى اللقاء في الحلقة 3 

 الحلقة السابقة تجدونها في مجموعة (ثلاث شمعات)

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :