يوم حزين.
اليوم الخامس من شهر رمضان.الربيع في أسبوعه الأخير.شمس حارقة.
استلقى منصور كعادته،بعد صلاة الظهر.
الليلة الفارطة لم يتناول وجبة السحور،رغم إصرار فريحة زوجته.شعر بمغص مع انعدام الشهية.اكتفى بشربة ماء باردة من 'السماط' .
استعدادات حثيثة لموسم الجزٌ .يوم الغد ،سيجتمع الرجال،لمساعدة منصور.القطيع المتكون من عشرات رؤوس الأغنام ،يتطلب جزٌه مجهودا جماعيٌا كما دأب أهل البادية على ذلك لسنوات.خصوصيٌة شهر رمضان ،تستوجب الانطلاق في العمليٌة باكرا.تفاديا لحرارة الطٌقس .قد يتطلٌب الأمر
يوما أو أكثر.الجيران لم يأخذوا علما بالموعد .
حال عودة الرٌعاة ،ومباشرة قبيل الإفطار،سيكون الجميع على علم.غفا منصور .
لم تمر ساعة ،فاستيقظ مذعورا،تناهى إلى سمعه مايشبه الانفجار المدوٌي..
حدس أنٌ حارس الجبل الذي عينه المعمر يطلق طلقات تحذيرية لإبعاد البعض عن مناطق معينة سفح الجبل المجاور ،خشية نصب الكمائن ..عشرات الضحايا قضوا، جراء صلف المستعمر، وهم يحتطبون أو يجمعون الحلفاء لتقديمها للإبل.
الكهل يعاوده النٌعاس..
أزيز الطٌائرات يصمٌ الآذان..قوٌات العدوٌ تمشٌط الجبال والأودية والسٌهول،بحثا عن المقاومين.
عشرات الشٌهداء ارتقوا.قنابل ومدافع رشٌاشة.شتٌان بين قوٌات العدوٌ المدجٌجة بأعتى الأسلحة،وبين مقاومين يدافعون عن أرضهم وعن عرضهم،وشرفهم.
بنادق تقليديٌة ،وكمائن لقادة تمرٌسوا جيٌدا وخبروا مخطٌطات العدوٌ.وهجماته المفاجئة وتنكيله بالعزٌل من نساء وأطفال وشيوخ.
المعمٌر وسائقه وحارسه يصابون في كمين محكم بأحد المنعرجات.السيٌارة تنقلب وتسقط من على الجسر.اغتاظ العسكر من العمليٌة.كانت ليلة لا ككل اللٌيالي..
-منصور،منصور الأغنام بالزريبة.
وإبراهيم وبوبكر وإسماعيل لم يعودوا..هيٌا ساعدني لحلب الشٌياه.لا أدري أين وضع الأولاد الحبل.
تباطئ الرٌجل..فرك عينيه..غسل وجهه وأطرافه.اتٌجه متثاقلا نحو الكوخ المجاور للزٌريبة بحثا عن الحبل.ثم راح يحيط به رقاب بعض الشٌياه المدرٌة للحليب.انطلقت ربٌة البيت في حلب شياهها تحت أشعٌة الشٌمس الحارقة..انتهت من 'الدٌراس' الأوٌل،ثم بدأت في الثاني..إلى أن انهت حلب آخر الشٌياه.
_ فريحة،غدا نفتتح موسم الجزٌ،لدينا ضيوفا غدا.وفٌري ما يجب من اللٌبن،والزٌبدة،وخبز الشٌعير.قبل السٌحور،سنذبح خروفا لنكون جاهزين كما يجب.بامكانك الاستعانة
بشقيقتك وبناتها لإعداد ما يكفي لإفطار
الضٌيوف.أعرف كرمك كما عهدتك.
أسرعت الزٌوجة لوضع الحليب بالجرار .ثم قامت بتنظيف 'الشٌكوة ' جيٌدا.ثم علقتها ب'الحمٌارة'.لتكون جاهزة .
نباح الكلاب يرتفع..عبد الرحمان ينادي ..ولم ينزل من على فرسه..
_منصور،منصور...دخان كثيف يرتفع قرب سفح الجبل ..سبقه انفجارا قويا..الغنم عادت لتوٌها،الصٌحبي لم يعد.اسأل الأولاد .ما الأمر يا ترى؟
ارتبك منصور..بسرعة البرق امتطى جواده..وراح يلكزه مرة ب'الرٌكاب' وأخرى ينهال عليه مستحثا بالسوط...مغتاظا راح يتمتم بكلمات غير مفهومة.
منظر مريع...عشرات الرٌجال والنٌسوة
في حركيٌة غير معهودة...أشلاء بشريٌة تحيط بكومة الحطب المشتعلة ..بقايا قنبلة كبيرة الحجم انفجرت بفعل حرارة النٌيران..
-عشرة ضحايا من فلذات أكبادنا...
صاح النٌفطي في الجمع الحاضر...
_كنت أرعى الماعز أعالي الجبل..رأيت الدٌخان ولهيبا مرتفعا للنيران.يبدو أن الرعاة عثروا على قنبلة من بقايا الحرب العالمية ..
جرفتها السٌيول..ووضعوها وسط الحطب المشتعل..لوعورة المكان ،نزلت بصعوبة..
فات الأوان..هذا ما فعله بنا العدوٌ،خلال الحرب،وبعدها...فلا زالت فلوله لم تغادر بعد..
بدل الجزٌ،أصرٌ الجميع على الثٌأر لأبنائهم..
آليٌة عسكريٌة قابعة بأحد المنعرجات ترقب
الثٌوار وتحرس دبابة ،كانت في مرمى مجموعة من المقاومين الٌذين أبلوا البلاء الحسن قبل استشهادهم..
خسائر بشريٌة تكبٌدها العدو، وحرق الاليٌة والدبٌابة .
🖍️صلاح لافي / تونس.
'