- ( جرعة إنعاش )
في غبش الصباح الندي , ومع صوت ماء النهر, وزقزقة العصافير, وتصفيق أجنحة الحمائم , وحفيف أوراق الشجر الخريفي الساقط , وألوان طيف الشمس الصاعد من وراء الأفق البعيد بعد رشة مطر خفيفة , ومع هبوب نسيم منعش للنفوس , وعطر الأزهار الفواح , ومن على الجبل المحاذي للنهر , تشكلت سمفونية رائعة من الأجواء التي يحلم بها العاشقون ومن يبحث عن السكينة والهدوء ,
نحن نسافر على دروب الذكريات كل ليلة ، ونسقط مع كل ذكرى , تماماً كأوراق الأشجار، نعم فالورق يسقط في الخريف , ونحن نسقط مع كل لفحة ذكريات قاسية نمر بها ، خريف العمر الذي يذّبلنا شيئا فشيئا ويصفّر معه كل جزء من أرواحنا , نحن في الحقيقة نتشابه مع رياح أيلول ، ونتقاسم السقوط بأرواحنا الفارغة مع قطع الورق الخريفية الصفراء ، فلا نحن سعداء ,وليس للحزن فينا لمحات، نسامر الليل في هدوء علنا نلتقي براحة تنسينا الهموم، نحن فقط روح تمضي في درب الموت ، وتسير وفق خط من الذكريات , تلتحف عبق الماضي، مهما كان ذلك الماضي سيئ ، نستلذ بالصمت والنوم الطويل , تنهكنا رياح الخوف والذكريات ونسقط من تعب , كورقة خريف هزتها ريح عاصفة في ليلة مظلمة , تعاقبت عليها أيام وليالي من التعب
كنت أجلس ذلك اليوم وحيدا" على حافة النهر أدخن سيكارة في أحدى يدي , وفي يدي الأخرى كنت أقرأ تلك الرسالة التي تهرأت من تكالب الزمن وكثرة قراءتي لها , رسالتها التي وردت لي مع رسول الغرام الذي كان بيننا ( صديقتها المقربة ) , كنت أقرأ تلك الرسالة المكتوب فيها يا سيد قلبي , حين تكون وحيدا وحين تخونك الشوارع والطرقات , وحين تفتقد قدرتك على فهم الأشياء من حولك وتغدو بلا وجهة واضحة وبلا أصدقاء، ستجدني دائما بجوارك , أمسح دموعك , أمد لك يد العون لعبور جسور العزلة و تتخطى بذكراي , لحظات الانكسار
تلك الرسالة كانت بالنسبة لي كجرعة أنعاش أعود بها الى الحياة كلما سقطت في هاوية اليأس , وإذا بطيف يراود مخيلتي وفيضان من الحزن يخيٌم على قلبي ثم شرعت الدموع بالتدفق في المقل منهمرة على خدي ممسكا" بأنفاسي حينا" وأطلقها حينا" آخر مع زفير دخان السيكارة متأففا" مستحضرا" تلك الأيام التي غيرت حياتي الى غير رجعة , عندها ساد الصمت وانتهت الكلمات مكتفيا" بالدموع على ذكرى تأبى أن يطويها النسيان
هيثم الزهاوي