أصغِ معي !!!
بقلم الاديبة فاديا حسون
هل تسمع !؟
إنها قطرات مطر تشرين تطرق على زجاج نافذتنا ..
تدعو طيفك المتواري تحت الملايين من ذرات التراب ليأتي ويشاطرني متعة الوقوف خلف نافذتنا المطلة على الحقول الفسيحة ..
فتأتيني أنت على جناح الشوق ..
تبتسم ابتسامة مبللة بعبق الهطول ..
وكعادتك تخلع معطفك وتلف به أكتافي حين تلاحظ ارتعادي ..
وتباشر يمناك بمسح البخار المتكاثف فوق الزجاج ..
بعد أن نكون قد عبثنا بصفحته ونحن نكتب عبارات شوقنا بسبابتينا المتلهفتين ..
فتسارع أنت إلى إيقاد مدفأة الحطب على عجل ..
وأهرع أنا إلى وضع قدر الماء فوقها استعدادا لطهي حساء العدس الذي نستهل به شتاءنا ...
ثم نعود إلى النافذة ..
نراقب القطرات وهي تتوحد لتشكل سيلا يجرف كل ما علق على الطريق الاسفلتي من مخلفات خريفية ..
كنت كعادتك تقول لي وعيناك طافحتان ببهجة الهطول : اللهم اجعلها سنة خير على الجميع ..
أما أنا فكنت أتمتم ب (آمييين ) وعيناي متسمرتان بحذر وقلق على الطريق .. أترقب عودة ابنتينا من المدرسة ... ومن بعيد ألمحهما تهرولان بمرح .. بعد أن أغلقتا مظلتيهما وآثرتا الابتلال .. كنت أقطب حاجبي حنقا وغيظا .. وكانت تتذرعان أن أسلاك المظلتين كادت تتكسر من العاصفة المطرية .. وكنت أنت تضحك بمكر مفضوح ..وتتصنع الغضب ..وتهمس في أذني مبررا خطأ ابنتيك وتقول لي : ألم نكن نفعلها نحن في صغرنا !؟
فكنت تمتص غضبي الذي تبدده ضحكتي العفوية .. وتذهب هيبتي أمام البنتين المبتلتين ...
فتبتسم الطفلتان ابتسامة ممثل قدير استطاع اقناع جمهوره بصدق المشهد... وكنت أنت تتنفس الصعداء لتبرئة ساحة ابنتيك ..
وترعد السماء بشدة .. فتلوذ البنتان جزعا الى حضنك .. وأنت تسارع إلى تصدير عبارات الاطمئنان إلى قلبيهما الراجفين ..
وسرعان ما تهدأ النفوس حين يجهز حساء العدس الذي سارعت نكهته إلى تدثير شهيتنا المرتجفة بردا وجوعا ...
واليوم ... هاهو مطر تشرين يعود من جديد ..
لكن ... لانافذة بقيت لنتأمله من خلفها .... ولابيت بقي يظللنا ونلوذ تحت سقفه..
ومدفأة بيتنا نخرها صدأ النزوح ..
وأنت لازلت هناك ... ممدد في قبرك الذي تعفنت فوقه وريقات الآس .. وبقيت حجارته تئن تحت ضربات تلك القطرات ..
وما من أحد بقي ليكتب على زجاج تلك النافذة التي تهشمت صفحتها لحظة غيابك ...
وروحي ترتعد بردا ... تبحث عن معطفك المعلق هنااااك ... على مشجب رحيلك المنتصب كحارس عجوز في ساحات عمري .. وأنا لا أزال أنتظرك تحت أروقة اللحنين ... عل بعض الذكريات تأتي لتدثرني من صقيع عالم أنت لست فيه ..
لروحك سلام بحجم مطر تشرين ..
فادية حسون
بقلم الاديبة فاديا حسون
هل تسمع !؟
إنها قطرات مطر تشرين تطرق على زجاج نافذتنا ..
تدعو طيفك المتواري تحت الملايين من ذرات التراب ليأتي ويشاطرني متعة الوقوف خلف نافذتنا المطلة على الحقول الفسيحة ..
فتأتيني أنت على جناح الشوق ..
تبتسم ابتسامة مبللة بعبق الهطول ..
وكعادتك تخلع معطفك وتلف به أكتافي حين تلاحظ ارتعادي ..
وتباشر يمناك بمسح البخار المتكاثف فوق الزجاج ..
بعد أن نكون قد عبثنا بصفحته ونحن نكتب عبارات شوقنا بسبابتينا المتلهفتين ..
فتسارع أنت إلى إيقاد مدفأة الحطب على عجل ..
وأهرع أنا إلى وضع قدر الماء فوقها استعدادا لطهي حساء العدس الذي نستهل به شتاءنا ...
ثم نعود إلى النافذة ..
نراقب القطرات وهي تتوحد لتشكل سيلا يجرف كل ما علق على الطريق الاسفلتي من مخلفات خريفية ..
كنت كعادتك تقول لي وعيناك طافحتان ببهجة الهطول : اللهم اجعلها سنة خير على الجميع ..
أما أنا فكنت أتمتم ب (آمييين ) وعيناي متسمرتان بحذر وقلق على الطريق .. أترقب عودة ابنتينا من المدرسة ... ومن بعيد ألمحهما تهرولان بمرح .. بعد أن أغلقتا مظلتيهما وآثرتا الابتلال .. كنت أقطب حاجبي حنقا وغيظا .. وكانت تتذرعان أن أسلاك المظلتين كادت تتكسر من العاصفة المطرية .. وكنت أنت تضحك بمكر مفضوح ..وتتصنع الغضب ..وتهمس في أذني مبررا خطأ ابنتيك وتقول لي : ألم نكن نفعلها نحن في صغرنا !؟
فكنت تمتص غضبي الذي تبدده ضحكتي العفوية .. وتذهب هيبتي أمام البنتين المبتلتين ...
فتبتسم الطفلتان ابتسامة ممثل قدير استطاع اقناع جمهوره بصدق المشهد... وكنت أنت تتنفس الصعداء لتبرئة ساحة ابنتيك ..
وترعد السماء بشدة .. فتلوذ البنتان جزعا الى حضنك .. وأنت تسارع إلى تصدير عبارات الاطمئنان إلى قلبيهما الراجفين ..
وسرعان ما تهدأ النفوس حين يجهز حساء العدس الذي سارعت نكهته إلى تدثير شهيتنا المرتجفة بردا وجوعا ...
واليوم ... هاهو مطر تشرين يعود من جديد ..
لكن ... لانافذة بقيت لنتأمله من خلفها .... ولابيت بقي يظللنا ونلوذ تحت سقفه..
ومدفأة بيتنا نخرها صدأ النزوح ..
وأنت لازلت هناك ... ممدد في قبرك الذي تعفنت فوقه وريقات الآس .. وبقيت حجارته تئن تحت ضربات تلك القطرات ..
وما من أحد بقي ليكتب على زجاج تلك النافذة التي تهشمت صفحتها لحظة غيابك ...
وروحي ترتعد بردا ... تبحث عن معطفك المعلق هنااااك ... على مشجب رحيلك المنتصب كحارس عجوز في ساحات عمري .. وأنا لا أزال أنتظرك تحت أروقة اللحنين ... عل بعض الذكريات تأتي لتدثرني من صقيع عالم أنت لست فيه ..
لروحك سلام بحجم مطر تشرين ..
فادية حسون