بقلم الشاعر خلف بشتاوي
هذه القصيدة مهداة لروح الصديق الشاعر نزار عمر الذي غادرنا بعد معاناة ألمت به فرحل بصمت وكان يأمل في إصدار أحد دواوينه له الرحمة والفردوس الأعلى
يمشي خلف ظله
يتابع غروب العمر
وهروب الوقت من وقته
يكتب الشعر
ليعطي للشمس شعاعها
وللفجر تغاريد البلابل
يبني من حروفه
بيتاً لا يشبه البيوت
يترنح في خطواته
لكنه لا يمل من صقل الكلمات
وصياغتها
كما يريد الوقت
تتشابك خطواته في لحظة
فتلمع في ذهنه فكرة
فيكتبها قصيدة
على ثغر ناي حزينة
يقول فيها
هربت الثواني وهاجرت الدقائق
وجف ينبوع الحياة
تكسرت الأغصان وجف نسغها
واختفت زرقة البحر
في ليلة الرحيل
فلا تنتظروني
فانا مهاجر
لقاع الذكريات
أعيد ما تبعثر من كلمات
لاتشبه الكلمات
وأبحث بين
ركام الألم
وعويل الثكالى عن وجعي
وعن عجز أناملي
عن رسم ملامحي
على صفحات عمري بلا خوف
يحاصرني الأنين
ونحيب النايات
أختبئ خلف ظلي
فيتبعني ابن آوى
وغراب تشبث في غصن شجر ة
وارفة الظلال
فأنا أ درك
بأن الوقت فر من وقتي
فقد استهلكته
مع غروب الشمس
وانطفاء شمعة الميلاد
لا شيء يسعفني بعد الآن
لا مبضع الجراح ولا
عبق الياسمين
فقد أنفقت كل مدخراتي
في التنقل بين شواطئ الغرباء
وكوكب زحل
غيمتي تظللني منذ انبثاق فجري
لكن غيثها
لم يعد عطشي
فيغريني طلوع الشمس
وانكسارها على الصخور
فهل أعود طفلاً
أداعب فراشات الحقل
أم ان الوقت داهمني
وما عاد هناك متسع
لصهيل الخيل في وادي النخيل
لماذا أنا..... لماذا أنا
تنتهك شراييني أكياس المصل
وانخفاض الضغط
فيزيغ البصر
بلا سابق إنذار
فتنهار أسوار قلعتي
وينتشر الضباب يحاصرني
ويلقيني في غياهب
الغياب الأبدي
بلا ونيس يلملم أوراقي التي سقطت
وانفعالاتي التي غرقت
مع الغريق
فأنا الغريق
وأنا الذي
سقط صريعاَ يقتفي أثر الطريق
ذاك السرير الذي يضمني
يحاصر أشلائي
وما تبقى من الذكريات
غابت مواسم الكرز
ورحلت عنادل المساء
حتى نسيم الصبح تأخر عن الحضور
وذبلت ورود الشرفة
وغاب صوت فيروز
تأخر الربيع مرة أخرى
وحاصرني الخريف
لن ألقي قصائدي بعد الآن
لن تصدح القاعة بالتصفيق
والنقد والتعليق
فقد خسرت السباق
والتفت الساق بالساق
وأن وقت الفراق
كم كنت أرغب في البقاء شاعراً
كم كنت أرغب أن أكون
حقل قمح في مواسم الأمل
أو سهل زهر الياسمين
يهدي ملايين القبل
للقابعين في المنافي والسجون
وإلى الذين يزرعون
زهر الحياة بلا كلل
جاء الأجل جاء الأجل
جاء الأجل
كامل بشتاوي 20/12/2021