البلطجي .. قصة قصيرة / رضا الحسيني
جاءتنا نداءات كثيرة من جيراننا خلال اليومين الأخيرين ، كانت الصرخات عالية وواضحة :
_ انتبهوا البلطجي قادم نحوكم
_ افعلوا كل شيء يمنع دخوله عندكم
_ البلطجي مر بنا وتركنا متحطمين
_ انتبهوا ولا تتهاونوا مع البلطجي
كنا نسمع كل هذا ونحن على ثقة من أمرين واضحين ، الأول أنهم فعلا عندهم حق لأنهم مروا بالمأساة قبلنا ، والثاني نحن فعلا نعرف النتائح المترتبة على المأساة التي يحذروننا منها
على شاشات التلفاز شاهدنا كيف صارت الأحياء التي عاشت المأساة قبلنا ، نعرف كيف كانوا ورأينا كيف صاروا بعدما دخل عليهم البلطجي
قالت لي زوجتي :
_ لاتخرج من البيت اليوم ، لاندري كيف نواجه البلطجي هذا إن دخل علينا وأنت لست معنا
_ اطمني لن أذهب بعيدا ، سأبقى بجوار البيت مع رفاقي وعيوني عليكم هنا
حين غادرت البيت في المساء كنت أشعر بغصة كبيرة فلم أبتعد فعلا ، وبالفعل بقيت أتابعهم ، وكانت زوجتي تشعر برعب شديد من البلطجي هذا ، وكذلك أولادي الأربع ،كنت أصعد إليهم كل ربع ساعة ليشعلروا بالأمان ، وحين أعود لرفاقي كنت أشعر في عيونهم بنفس القلق والتوتر ، وكنا نفكر خلال تواجدنا معا في كيفية مواجهة البلطجي القادم ، كان علينا كرجال الحي أن نستعد له بكل ما نملك من قوة ومعدات ، قال أحدنا :
_ وكيف نواجهه بهذه الأشياء البسيطة التي نمتلكها ، الاحياء الأخرى كانت تمتلك أكثر من ذلك بكثير ، ورغم ذلك استطاع البلطجي أن يقهرم جميعا ؟!
شعرت أنه يريد أن يصل بنا لمزيد من الخوف والارتباك ، أعرف من خبراتي بالحياة ان الإنسان يمكن أن يهزم نفسه قبل مُنازلة خصمه إن استسلم لأفكار الضعف والخوف منه
خلال وقوفنا هكذا لاحظنا أن بعض مساعدي البلطجي بدأوا في دخول الحي يطيحون بكل مايقابلهم ، كان المشهد من بعيد يوحي بأن النداءات بالفعل كانت محقة ، وأن البلطجي سيدمر لدينا كل شيء ، منا من ظل مكانه متأهبا ومنا من أسرع بالعودة لبيته ، والبعض فر من المكان محاولا الاختباء أو الاحتماء بأي شيء ، كان من الواضح أن كل المحاولات ستفشل وأن المواجهة بيننا وبين البلطجي قادمة وشرسة بل مميتة
أثناء ذلك سمعت صرخات زوجتي واولادي من أعلى البيت ىطالبونني بسرعة الصعود إليهم ، حين صعدت وجدت البلطجي قد اقتحم بيتي من الجهة الأخرى وقضى على كل أسرتي ، لم يترك شيئا ببيتي في مكانه ، هرولت لبلكونة بيتي لأرى رفاقي كلهم قد ةاختفوا تماما ، ولم أجد البيوت التي كانت حول بيتي في مكانها ، فقط كان البلطجي بصبيانه يتجولون بسرعة وقوة في كل الحي وهو يدمرون كل شيء يقابلهم ، ظل الأمر هكذا حتى الصباح التالي ، نزلت للطريق وأنا في دهشة مما أراه ، والفزع ينتابني
_ أين ذهبت البيوت ، أين الناس ؟ّ !
كل تساؤلاتي لم يكن لها إلا دموعي وجنوني وذهولي ، لم أجد غيري ، ورائحة الموت بكل مكان حولي ، ومن بعيد أرى البلطجي وهو يغادر الحي متجها للبحر ، وصوته يأتيني بقوة مع الرياح المتبقية منه
_ تركتك لتحكي من بعدي ماذا فعلت بكم ، قل لمن يسألك {مر من هنا الإعصار دانيال } !!