(إنَّما العَيشُ مَنزعٌ) - (محمد رشاد محمود)
قادني التجوالُ ذاتَ يَومٍ إلى جَنَّةٍ حاليةٍ يداعبُ نسيمُها أوراقَها الوارِفَة وتَتَأوَّبُ الطيرُ شادِيَةً على أفنانها مُيَمِّمَةً عَينًا تومِضُ الشمسُ ضاحِكَةً فوقها من بعيد ، فكانت هذه القصيدة :
هَـــدْهَـــــدَ الكَـونُ مُـقـلَـتَيـهِ فَحيِّـي
طَلـعَةَ الفَجْــرِ يا طُيــورَ الخَميـــــــلِ
والثُــمي الشَّمْــسَ بالجَناحَيْـنِ إمَّــــا
دَغــدَغَ النُّــورُ رائِــــقَ السَّـلـسَــبـيـلِ
واصدَحِي في الفَضَــاءِ غَـيـرَ شَـوَاكٍ
جَوقَةَ الصَّيـــدِ أو عُبــوسَ الهُــجولِ
حَيــْـثُ يَــمَّمْتِ مَنـهَــــــلٌ ومَسَـــاغٌ
ومَـــرَاحٌ وراءَ كُـــــــــلِّ سَبــيـــــــلِ
دونَــــكِ الزَّهْــــرَ مُرسِلاتٍ شَذاهــَــا
دونَـكِ الخِصْبَ في الرُّبــا والـحُقولِ
إنْ يَـــــكُ اليَــــومُ مَــاضِيًـا فَلِمَــاذا
خِيفَةُ اليَـــومِ مِـنْ غَــــدٍ مُستَحِيــلِ
أو يَـــــكُ الغَيْــــبُ مُوجعًـا فَعـــلامَ
بَيـــعَــــةُ الأَيـْـنِ لِلـــغَـدِ المَجهُــــولِ
فاملَئي النَّـفـسَ غِبــطَةً وانْشِراحًـــا
وانْشلِي الذِّهْــنَ مِنْ عَمَـــاءِ الذُّهولِ
اشْـــدِ هَــوْنًـا فَلَيسَ يا طَيــرُ يَــرْوِي
غُلَّــــةَ القَلـــبِ غَيـْــــرُ فَنٍّ جَميـــــلِ
فُكِّــــي بالحَـــوْمِ والغِنَــــــاءِ إسَـارِي
مِقْـــوَلًا بــحَّ في لَهَــــــــأةِ كَلــيـــــلِ
إنَّمَــــأ العَيــْـــشُ مَـنـْــزعٌ وإسَـارُ الــ
ـــقَلبِ أقْسَــــى مَطَـــارِحِ التَّكْـــبيـلِ
طَيـــرُ يَــــا طَيْــرُ لا عَدِمتُ خيَــــالًا
مِنــكِ في الـرَّوْضِ والرُّبــا والسُّهولِ
يـَــــا بَنـَـــاتِ الأثيــــرِ أنتُــــنَّ لَحْــنٌ
ساقَـــهُ الشَّــوْقُ والهَــــوَى لِلـمُثــولِ
فـــأسِــفِّـي وحَلِّــــــقي واسـتَـمِـيلي
مُوجَـــعَ النَّــفْـسِ بالأسَى والعَوِيـــلِ
وانْثُــري الـطَّـلَّ عَنْ رِياشِـــكِ وارمي
بالجَنَـــاحَيْنِ في الهَـــــواءِ الحَمُــولِ
واتْبَــــعِي خَفقَــــةَ الـشِّرَاعِ بِخَــفْــقٍ
مِنْ جَنَـــاحَيـْـكِ فِيـــهِ رَوْحُ العَلـــيلِ
واشــرَبـِـي خَمــرَةَ الأصيـــلِ وصُبِّـي
في حَنَـــايا الفُـــؤادِ معنَى الأصيـــلِ
فِيـــــهِ تَنـْـــداحُ دائِـــــرَاتُ الأمانــي
كَــرُؤاهـَــــا علَى الـغَديـــرِ الصَّقيـــلِ
مِـلءُ سَمْعي ومَحْجِــري وجَنَــــــانِي
ولَــهَـــــــاتِي ورُوعِــــــيَ المَتْــبـُــولِ
(محمد رشاد محمود)
...............................................
يُقالُ (هَدهَدَ الصَّبِيَّ) : إذا حَرَّكَهُ ليَنام ، وكأنَّما يتكاسَلُ الفجرُ عن أن يُفَتِّحَ عَينَيه .
المَنزِعُ : النُّزوعُ إلى الشيء ، وهو الاشتياق ، ومنزعُ الفرَس : جرَيانُهُ طَلقًا.
الجَوْقَةُ : الجماعَة . الهُجُول : جمعُ (الهَجْل) ، وهوَ المُطمَئِنُّ من الأرض .
يَمَّمتِ : قَصَدتِ . الأَيْنُ : الحِينُ ، ومَصدَر (آنَ يَئِينُ) أي (حانَ) .
هَوْنًا : سَكينَةً . المِقْوَلُ (كَمِنْبَر) : اللِّسانُ . تَندَاحُ : تَعظُمُ وتَستَرسِلُ .
المَحْجِر (كمَجْلِس) : العَينُ . الجَنان : القلبُ والرُّوح .
اللَّهاةُ : اللَّحمَةُ المُشرِفَةُ على الحَلْق في أقصَى سقْف الفَم ، والمقصودُ الفَم .
الرُّوع (بالضَّمِّ) : القَلبُ والذِّهن والعَقل . المَتْبُولُ : ذاِهِبُ العَقْلِ .