#قصة_قصيرة 📚
بركان من الغضب
نبيل ذاك هو اسمه الذي وجد نفسه ينادونه به، وهو نبيل فعلا في أخلاقه ومعاملته، عمره لم يتعدى الخامس عشر عاماً يعمل في ورشة صغيرة في أحد الأحياء التي تشتهر بدباغة الجلود بمدينة فاس، كان يقف الصبي يوميا مع زملائه من العاملين تحت أشعة الشمس الحارقة عند منتصف النهار فوق طرق الحي غير المعبدة، التي تجري عبرها مياه عكرة تنبعث منها روائح كريهة، وهي مياه الصرف الصناعي التي استخدمت في الدباغة وتنقية الجلود، منهك بشد الجلود الناشفة التي لا يكاد ينتهي من واحدة حتى ترمى له الأخرى.
نبيل لم يكمل دراسته رغم رغبته في إكمالها، لقد طلب منه أبوه أن يساعده في تحمل أعباء الأسرة، والده ما عاد يتحمل ارتفاع الأسعار ليؤمن الغذاء لأسرته، لقد صعدت الأسعار بطريقة خيالية، لم تترك للفقير فرصة حتى يتنفس الصعداء،
المسكين نبيل رمى به القدر إلى العمل بالدباغة ما كان ذلك اختياره، لقد كان ذلك غصبا عنه، فهو لم تُتح له أعمال أخرى حتى ينتقي منها عملا يجد نفسه فيه، كان يعمل طوال الوقت بشد الجلود لإعدادها للدباغة، يقوم بنزع اللحم والشعر من الجلد، يبدأ عمله كل يوم عند تمام الساعة السابعة صباحا ويستمر إلى المساء، يستريح خلالها ساعة واحدة فقط عند منتصف اليوم. ويتقاضى عن عمله أجرا زهيدا في الأسبوع.
كل مساء عند عودته الى البيت لم يكن يجد وقتا حتى ليجلس مع إخوته ووالديه للتحدث معم، جسده المرهق والنوم الذي يطبق عليه يحرمه من حتى أن ينعم بالجلوس معهم، يأكل ما يُقدم له لينام صريعا وكأنه كان في معركة، أمه وهي تراه على تلك الحالة تقول له دوما نفس الكلام:
لا عليك ياولدي إن الغد لناظره قريب، سوف تُفرج ويتغير حال الفقراء إلى الأفضل، تظل مسألة وقت.
يجيبها وغصة عالقة بحلقه:
ربما قد يحدث ما تقولينه، ولكن لا أعتقد ما دام الجميع لايحرك ساكنا.
نبيل كان واعيا بالأوضاع التي تجول في بلده، ويرى الكمّ من فقراء بلده وهم يعانون مرارة العيش لأجل الحصول على لقمة عيش ناشف، لكن القمع المُمارس عليهم ما ترك لهم حرية التعبير ولا الدفاع عن أبسط حقوقهم، فهم ما طلبوا سوى أن يعيشوا بكرامة، نعم أن يكونوا ذاك الإسان ولا شيء سواه.
سأل أباه يوما وهم مجتمعون على عشاء بسيط قال له:
كيف لذاك الذي يمتص دم المساكين أن ينام ليلا وهو مرتاح البال.
رد عليه والداه قائلا:
وهل تظن أنه يعيش في سعادة، أكيد قد تجده يدفع ثمن ذلك دون أن يدري، فالسعادة ما كانت محصورة على المال، ماهي سوى سبب من أسبابها.
سأله مرة أخرى ابنه يود أن يعرف أكثر عن خبايا النفوس، فقال له:
أبي لما الإنسان يفعل بأخيه كل ذلك، أليس لديه إحساس؟
ابتسم أبوه وقد فرح بابنه، لأنه امتلك أغلى شيء يفقده الأغلبية، وهو الإحساس الذي غدا نادرا في زمننا هذا، فقال له:
هي الأنانية ابني وحب الذات جعلته لا يفكر في أخيه، يريد لنفسه فقط أن يتعلم ويدرس ليحصل على أعلى المناصب، حتى يجلس على كرسي يصدر فيه الآوامر لخدمته بدل خدمة بلده وأبناءها.
سكت نبيل عن الكلام الغير المباح، وأكمل عشاءه ليخلد إلى النوم وبداخله بركان من الغضب يغلي، ينتظر الفرصة ليثور على تلك الأقلية التي ابتلعته وأشباهه دون رحمة.
سميا دكالي