كفيفة ...لا تشتكي أحداً
كانت في السادسة عشر من عمرها عندما بدأت العتمة الى عينيها رويداً رويداً...
ودون ان يسعفها المحيطون بها بعلاج كتن من المكن ان يبقيها على قيد ذاكرة الصورة ...وان تبقى عينيها بارقتان كعينيي غزالة مرحة بقفزة الريح من تحت اقدامها في براري الحياة ... لكن للفقر سطوته ولعنته على الفقراء ...فأطفئت عينيها على ما كانت قد احتوته الذاكرة من مشاهد وصور قليلة للحقول والفراشات والنجوم والاعمدة .الطرقات المضيئة ...وحواف ارصفة الشوارع الاسفلية التي اصبحت تتعثر بها ما بعد زمان الضوء ....كبرت عشرون عاماً ما بعد السادسة عشر ،وهي تحاول أن تطوع العتمة الداكنة لتعود ضوءاً وبياضاً وصوره .وتقتبس من شعاع الشمس قبساً ليقودها القبس الشعاعي المتسلل الى قلبها الى قمم النجاح لتتحدى اعاقتها البصرية في سلاح البصيرة ...كان الضوء أبيضاً في عيونها قبل أن تنطفئ مصابيح الاشعة كلها بعيونها .
لا تشتكي أحداً ....لان القطن أقلع عن بياضه ....ولان قامات الصنوبر فوق هامات
الجبال ،تسمرت بعيونها .....عقدين من عمر الشباب كفيفة ....ولا تشتكي أحداً لان سحابة سوداء مرت لم تغاد خطوها ....مثابرة على السير في طرقات عتمتها الى قمم النجاح بلا كلل .تطوع الاشياء بحجم ذاكرة ما عاد فيها اتساع لمشاهد وصور جديدة...ذاكرة تجمدت في ثلاجة الصور القديمة في الزمان والمكان ....فتفتح ذراعيها لاحتضان عوالم السمع وحده الذي طوعته ليصبح صوراً متخيلة ...تحمل في قلبها زهور الياسمين .وتجعل من روائح بخور الارادة بوصلتها بدرب معتم ليقود خطاها في الذهاب الى العمل ....سألتها ذات غباءٍ بدافع حب المعرفة كيف من قلب السواد السرمدي ...تعيدين فتح نوافذ الدنيا على اطلاقها ،فردت بصوتها الذي يرتدي الشمس درعاً ، وجعبة لا تفرغ من ذخيرة الارادة ...منذ ولدت الى أن تعطلت ذاكرة الصورة في ذاكرتي واصبحت كفيفة ...قد تحايلت على بصري الذي كان يسجل في ذاكرتي صور الاشياء ..فأختطفتُ صبحاً قديماً ...وقمراً قديماً ....وصيفا قديماً......وشتاءاً قديماً...وشمساً والواناً قديمة...وفضاءاً وعالماً من الصور لم تنهشه الرؤى .....
فأعدت لغبائي غبائه ...وسالتُ ثانية ....وكيف تختارين ألوانك ....وتصففين شعرك وتنتقين ككل النساء لون أحمر شفاهك المفضل ...وكيف تعدين قهوتك الصباحية ومقدار ما تحتاجينه من البن والسكر ....وكيف تحلمين ولا صورة جديدة في شريط الذاكرة ترسم وتلون لك الاحلام ....وهل للكفيف ضوء ذابل يتسلل خلسة الى عتمته فيضئ مشاهد الاحلام .فقالت وهي تتنهد تنهيدة المشفق عليّ من تساؤلاتي الحمقاء ...انني انتقي الالوان مثل أي فراشة تختار زهرتها بكل عناية وأناقة .وأعد قهوتي الصباحية على نار بصيرة لم تطفئ وبمقدار ما اعتادت عليه ملامس اصابعي من البن والسكر ،واحلم بقدار ما للكفيف من احلام لم تعادها الموانئ ..ومرايا على اتساع بياضها وبقدر ما في عيون الكفيف من بلابل وعصافير تقود خطاه مع أباريق الفجر والحنين .....وبمقدار ما لديك من سذاجة السؤال ..فهل من سؤال آخر .....؟؟!!!قلت :نعم سؤال اخير اقل سذاجة وأمضي الى سذاجتي فقالت : قله اذن .....فقلت لها كيف يكون شعورك بوردة يقدمها اليك الحبيب فقالت :أخبي رائحتها في ثنايا فرحتي كما خبأ الفجر شالة في فراشي وارتحل ...فتبقى في يدي نصف وردة وفي دمي تكون البقية ..فأهديتها قصيدتي وارتحلت...
الشاعر الاسير ناصر الشاويش 16\1\2022