جراد
محمد حسام الدين دويدري
______________
زَحَفَ الجَرادُ على الحَصَادِ فَقُلتُ: ما خَطبُ الجََرَادْ
لَمْ يُبْقِ في هذي الربوعِ سوى الحِجارةَ والرَمادْ
أغراه لون الخضرة الغنّاء في أرض البلادْ
فاستوطن القِمَمَ، وجابَ السَفحَ، واجتاحَ الوِهَادْ
مُتَوَهِّماً أنَّ الكريم حَبَاهُ مِنْ خَيرٍ وزادْ
أعطاه مِمّا يشتهي من فضله الباري، وزادْ
فانقضّ يأكل بُرَّهُمْ في غَفلةٍ تُعيي الفؤادْ
واختانَ عَزمَ الزارعينَ فسامَهُمْ سوءَ المُُرادْ
يَسبي زُرُوعَهُمُ ويُرسي في الثَرى لونَ السَوادْ
وهُمُ على عهدِ العَطاءِ يَرَونَهَا أحلى البِلادْ
* * *
وهكذا يا إخوتي نِمْتُمْ فَهِنْتُمْ في العِبادْ
أغرى المنامُ عُقُولَكُمْ فاجتاحَكُمْ سُكرُ الرُقادْ
أسْلَمْتُمُ كُلَّ الأُمورِ لِعَجزِكُمْ حتى استَزَادْ
شَغَلتكُمُ الدُنيا بلَهوٍ ماجنٍ في كلّ وادْ
فَشَرِبْتُمُ كأسَ الفَسَادِ وهانَ عِندَكُمُ القِيادْ
وتَرَكْتُمُ سُوءََ الرجالِ لِتَمْتَطي خيرََ الجِيادْ
فتَصُولُ في طولِ البِلادِ وعرضِها تَجني الوِدَادْ
متوشِّحين بكلِّ لَونٍ مِنْ شِعارات السَدَادْ
يَغرونَ أهلَ الدارِ بالبُشرى وبالوَعدِ المُعَادْ
ويُشتِّتُونَ جُمُوعَهُمْ بَينَ القَطيعةِ والبِعَادْ
قالوا: "سَنغرسُ أرضَكُمْ ونزيد تُرْبَتَهَا سَمَادْ
فَغَدَتْ بِعَزمِهُمُ يَبَابَاً تَصطلي السَبْعَ الشِدَادْ
سَطوَ الجَفافِ وسيلَ جَهلٍ جارفٍ خاوي العتادْ
وصَهيلَ حرفٍ قاحلٍ يَغتَالُ مَنْ حَمَلوا المِدادْ
وصََلِيلَ غدرٍ يغتلي مُتَمَرِّسٍ في الاصطِيادْ
وقُيودَ عَجزٍ لَمْ تَزَلْ تَصطَكُّ في صَفِّ الحِيادْ
ولََهِيفَ عُهرٍ مُسكِرٍ يُعلي تماثيلَ "سُعادْ"
وشَقَاءَ فَقْرٍ مُتْقِعٍ يُبقِي النُفُوسَ بلا عِنادْ
قالوا: "سَنَبذُلُ جُهدَنا المَحمُومَ في قََهرِ الفَسادْ"
لكِنَّهُمْ سَادُوا به، واسْتَعذَبُوا دَمَهُ، فَسَادْ
قالوا...، وقالوا...، ثمّ مالوا يَعتَدُونَ كَما الجَرَادْ
مُتَغَطْرِسِيْنَ مُحَطِّمِينَ مَنْ اسْتَفَادَ وَمَنْ أفَادْ
لا ضَيرَ في عُرفِ العِداءِ مع المَصالِحِ أنْ يُبَادْ
شَعْبٌ جَرِيحٌ مُخْلِصٌ لِلأَرضِ كَمْ أعطى فَجَادْ
* * *
يا إخوتي...ماذا جَرى...؟، ما لِلحَرَائِقِ في ازْدِيادْ...؟!
طالَ الزَمَانُ عَلَى الشُرُودِ وصَالَ بي سوط السُهادْ
فَمَتى أُعِيدُ حَقَائبي مِنْ أسْرِهَا بَيْنَ الحِدادْ
وأنا الذي في صَحْوَتي مازلتُ أسْتَجدِي المِدَادْ
أمضي، وفي دَربي القويمِ أَهِيمُ وَجداً بالرَشَادْ
وأُخَاطِبُ الرَبْعَ الذينَ اسْتَوطَنُوا سُوقَ الكَسادْ
يَبنُونَ أبْرَاجَ "الأنا" فوقَ الرِمَالِ بِلا عِمادْ
يَئِدوُنَ آمالَ الضَمائرِ حَيثُما الجَهلُ أرَادْ
كي يَشتَرُوا الوَهمَ بِذُلٍّ بِيعَ في سوقِ المَزَادْ
ما هكذا يا أُمَّتِي شاءَ الذي خَلَقَ العِبَادْ
ما هكذا شاءَ الرَحِيمُ لأمةِ العَدلِ المُشادْ
تِلْكَ التِي كَمْ أثْمَرَتْ حُبَّاً وَكَمْ أثْرَتْ حَصَادْ
.....................
الأربعاء، 22 أيار، 2013