الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

Hiamemaloha

غرام في الضباب للكاتب عبده داود

 غرام في الضباب

تشرين أول 2024

اخبرني صديقي قصته قال:

أحزان كبيرة كانت تعيش في داخلي لأنني تجاوزت الثلاثين من العمر، وقلبي لا يعرف الحب بعد، لم ألتق بإنسانة تسعد قلبي، تقف إلى جانبي، تفهم همساتي، تشاركني أفراحي، وتخفف احزاني.. 

كنت أعاتب القمر في سهراتي، وأسأله عن الصبايا اللواتي يسهرن مثلي، وأرجوه أن يرشدني إلى صبية  تشاركني عمري،  أريدها  ذكية، جميلة، خلوقة،  أحبها وتحبني.

كان القمر يبتسم، ويقول: أصبر ،  لا بد سيحصل...

كنت أتساءل:  لماذا  لا أجد نصفي الحلو، كما هو حال  أغلب زملائي  المعلمين المتزوجين ...

هم دائما كانوا  يشجعوني حتى أجد بنت الحلال حتى تدفء حياتي. وتستقر أحوالي ،  وكنت أستغرب أمرهم  كيف هم يشجعوني على الزواج،  وكان بعضهم  يشتم اليوم الذي تزوج فيه.

كانت الأيام  ترحل رتيبة، وهاجسي هو لقاء إنسانة تسكن قلبي، وأسكن أنا قلبها. لكن عبثا كنت التقي مع   نصفي الحلو...

 في أوقات فراغي كنت أذهب إلى المركز الثقافي، اقرأ  بعض الصحف والروايات التي  أجد فيها بعضا من العلاج لتسكين أوجاع قلبي.

ذلك اليوم،  كنت أقرأ رواية تحكي عن الحب، ثارت عواطفي بشدة، لماذا أنا لا أصادف حباً كهذا الحب الذي أقرأ عنه في هذه الكتب؟ 

خطرت لي فكرة  مراهق : كتبت رسالة شحنتها في  أحزاني واشتياقاتي، وعنونتها إلى حبيبتي الساكنة في الضباب...ووضعتها ضمن الكتاب  الذي كنت أقرأه، وأعدته إلى  مكانه.

 كتبت في رسالتي: أنا لا أعرفك من تكونين، وأنتِ لا تعرفينني من أكون.

أنا انسان معذب، أبحث عن الحب في كل مكان،  وكل زمان. أسأل القمر والنجوم عنك، وحتى. في أحلامي انتظرك ربما  تحضرين ،لكن ابدا كنت أراك..

أرجوك، إذا كنت مثلي تبحثين عن الحب، ولم تجدينه بعد، أتمنى أن تراسليني على بريدي الإلكتروني المدون أدناه ربما نتبادل أحزاننا ونواسي بعضنا، وأعدك  سوف لن نكشف اسمينا، ولن نتبادل صورنا، ولا نكشف عن هويتنا، إذا أنت لا ترغبين  بذلك.

دعينا نتبادل الحب في عتمة الظلام، دعي روحينا يتناجيان دعينا نعيش قصة نبنيها من  حلم ضباب، مجرد رؤى قد تسعدنا... قصة عشق نكتبها على وجه القمر، نرسمها من دخان قد تروي ظمأنا المتعطش للحب.

 بعدها أنا نسيت تلك الرسالة المجنونة، رسالتي  المضحكة المبكية. كانت حالتي حينها، كأمواج البحر تثور وتلتطم بالصخور، تتحطم وترتد فقاعات حزينة وتتلاشى. والأيام تمر...

 ذلك المساء عندما فتحت الكمبيوتر ،فوجئت بوجود رسالة من مجهولة تقول:

أنا هي فتاة الضباب التي تبحث عنها، أنا قرأت رسالتك في كتاب الحب حيث وجدتها، وعرفت معاناتك التي تشبه معاناتي...أحسست بحروفها الحزينة التي تشبه أحزاني، خبأت الرسالة في حقيبتي، ومذ ذاك، وأنا أفكر في الرد عليها وأخوض قصة حب بدون عنوان. أواسيك أنت أيها المعذب. وربما تواسيني ونتبادل الأحزان والعذابات. 

أنا طالبة جامعية، لم اصادف الحب يوماً، رغم العديدين من زملائي يحاولون كسب ودي، لكنني، أنا لا أعيش في زمانهم،  زماني غير زمانهم .  لذلك أنا  لا أزال وحيدة.

كلمات رسالتك، حركت مشاعري وتسارعت نبضات قلبي، احسست بكلماتك تحاكي روحي، واحسست بنبضات قلبك تشبه نبضات قلبي...احسست بعذاباتك التي تشبه عذاباتي... وفكرت أن أخفف من جراحك،  ربما أنت تخفف من جراحي ...

وقالت أيضا: مانعت نفسي كثيرا من هذه المغامرة الطائشة، مغامرة ليس لها عنوان، تصدر عن إنسانة  تعتبر   ذاتها فتاة واعية مثقفة ملتزمة بوصايا مجتمعها ووصايا خالقها...

لماذا أنت أيها المجهول، ومن تكون؟ ولماذا الله وضعك في طريقي؟ كلماتك حركت خيالي المجنون، وأخذت أعوم في بحر أوهام الحب...

يا إلهي، سامحني إذا كنت أتصرف بما لا يرضيك، ولكنني أرجوك أن تسمح لي أن أتعرف على هذا الإنسان الذي وضعته الصدفة في طريقي، ربما  هو  فارس أحلامي القادم من الضباب، ممتطيا حصانه المجنح، يأخذني خلفه، ونحلق لنعانق القمر، ونغني قصيدة الحب الأزلية، التي قد تجعلنا نستبدل واقعنا الحزين،  ونمتطي  شهب الأحلام، بأجنحة الحب والخيال،  ربما يسعدنا الحلم ، سامحني يا ربي إذا كنت أسير في طريق يعاكس وصاياك. 

ثم قالت قبل أن اودعك،  أنا اسميت ذاتي 

 الوردة البرية،  التي تعيش في البراري... في الضباب...تحت المطر...

تابع صديقي يقول: قرأت الرسالة، وأعدت قراءتها مرة تلو المرة، وفي كل مرة أزداد بهجة واضطراباً وأحسست ذاتي قريب من تلك الوردة التي تعيش في البراري، تستحم بماء المطر، وتتنشف بأشعة الشمس، وتتعطر بأريج الزهور، وهي تحلم بعريس المستقبل يطرق باب قلبها يناديها...يخطفها خلفه على حصانه المجنح، ويصعدان معا  إلى النجوم.

احترت ماذا كتب لها، ولكنني وجدت باب الحب يطرق قلبي، يناديني. وقررت الرد على تلك  الرسالة وكتبت:

إلى تلك  الوردة القادمة من الضباب...

كلماتك يا وردة لامست شغاف قلبي، لا أعرف من تكونين، وإلى أي نوع من الزهور تنتمين... ولكنني أعرف بان قلبي يخفق كلما اعدت قراءة رسالتك، وأعلم بأن دقات قلبي تزداد رغبة بالكتابة لك، وبأنني بت أذوب شوقاً إلى لقائك.

اسمعي يا عزيزتي 

أنا أدعو ذاتي تعيس الحظ، وآمل أن تجعليه أنتِ سعيدا بحضورك ولقائنا... لا فائدة من الانتظار، لقد شدني اليك شوق ما بعده شوق كي اراك.

يوم الثلاثاء القادم يوم عطلة. سأنتظرك في الحديقة العامة، وقت الظهيرة بجانب البحيرة، وأحمل بيدي وردة حمراء، أتمنى أن تمري من هناك، وتشاهديني من بعيد، إذا اردت التعرف بي، تقدمي نحوي وقلبي هو الذي سيعرفك لأنك سكنت روحي،

 في الموعد، جاءت ووقفت شابة خلف شجرة تراقب عن بعد.

أنا كنت أتلفت يمينا ويسارا، أبحث عنها، شاهدتها  احسست إنها هي، قلبي كان دليلي، نهضت نحوها، راعني جمالها، الذي لم أكن أتوقعه، قلت لها أتسمحين أن أقدم لك هذه الوردة؟

ابتسمت وتلعثمت وقالت: كنت أتمنى أن تكون  الوردة برية.

قلت: لا توجد غير وردة برية واحدة تعجبني، تجسدت فيك. ضحكنا،  تعارفنا، وتراسلنا، والتقينا وغرقنا في قصة حب، عوضت لي عذابات سنوات عمري... بعدها  تزوجنا...

نحن سعداء سوية، واليوم نحتفل بعيد ميلاد ابنينا التوأم  اللذان أنهيا  عامهم  الثالث من العمر. وهما فرحتنا السرمدية.

بقلمي: عبده داود

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :