أيام زمان
عند (السوبر ماركت)، وهو مبنى يتكون من طابِق واحِد يتم فيه بيع المواد الغذائية والمواد المنزلية ومواد وأدوات الغسيل، وأثناء وقوفي لِدفع قيمة المُشْتريات وأنا أستمع بِكل تركيز إلى صوت الصَفِير، صفير تلك الآلة التى تجمع وتعدّ وتحسب القيمة لوحدها شدَّ إنتباهي الكعك المصفوف المرصوف على احدى الأرفُف أو الرُفوف التى تُقابلني، كـعك كذلك الكعك الذي كانت تصنعه لنا جدتيّ حين كنا صغارًا، كعك ذو شكل حلقي ولونٌ بُنيّ وهَشٌّ إيضًا
سألت البائع هل هذا الكعك لذيذ، نظر لي وقال جدًا وهو صُنع في بيتنا وبكل حُـب وإن لم يُعجبك عد واستردّ نقودك، لم أشْترِ الكعك ودفعت القيمة المطلوبة وكانت النقود أكثر عددًا وحتى حجمًا من مُشترياتي فالدينار صار هزيل نحيل شاحِب ويمرّ بِوعكة مُنذُ فترة طويلة وخوفي كل خوفي أن نجده غدًا على كُرسي مدولب يجر في نفسه جرًا أو يختفِي ويُحجب ولا يعد يظهر
صعدت سيارتي متحسرًا، متحسرًا لسببين، السبب الأول أن تلك النقود كانت في زمن ما تشتري أكثر عددًا ووزنًا كذلك، والسبب الأخر الذي جعلني أو أن الحسرة نفسها استدعت ذكرى جميلة
أذكر جيدًا ونحن مجموعة من الأطفال تقفز وتمرح وتلعب وكان انذاك قرب عُرْس أو زفاف ابن عمي حيث اجتمعت النسوة لِصنع الكعك أخبرونا أن لا نبتعد كثيرًا لأنه لدينا وظيفة وسنقوم بِحمل (سفرة الكعك) وهي كثيرة فوق رؤوسنا إلى مخبز الحيّ، وكان الكعك من نوعان مالح سادة وحلو وكنا لا نطيق الأول ونحب الأخير وكانوا قد أوصونا أن نخبر الخباز أن لا يحرقه وإلا ستأتي جدتي وتضع الخباز في الفُرْن بدل الكعك فهى لا تخاف أبدًا، صعبة المِراس، عنيدة وشديدة الشَّكيمة، وحين عودتنا كنا نتسابق من يصل أولاً لنجد النسوة في إنتظارنا ليجمعوا ذاك الكعك وليضعونه في عُلب كبيرة محكمة الغلق، كانت الأعداد ضخمة فالعُرس كان يستمر لوقت طويل شهر قبل العرس وشهر بعده، هكذا كانت أعراسنا، ونحن حين نسلم لهم الكعك كنا نذهب ركضًا لخيمة الرجال لأنه هناك سيقومون بِذبح الكثير من الخِراف والجِمال ولعلنا سنقوم بإشعال النار، ستكون ليالي طويلة تحمل الكثير والكثير ولربما سنرى سالم وعلي وأبو عجيلة يتراقصون ويتمايلون ويتساقطون في الهزِيع الأخير من الليل كأنهم أعجازُ نخلٍ خاوية إلا أن السقوط هُنا كمن سقط مغشِيًا
لربما لم تعد الأعراس كما كانت وحل بدل الكعك حلويات وأصناف وأنواع وأشكال أُخرى إلا أن ذاك الكعك بقي على حاله ولم يتغيّر شكله، حتى أن في ذلك (السوبر ماركت) وجدتُ دقيق مكتوب عليه (دقيق زمان) لربما هذا يحيلني إلى سؤال هل أشياء الـ(زمان) ذلك كانت جميلة واليوم إنقرض الجمال من حياتنا، حتى المطر يا صديقي والتى نزلت بِالأمس شبهتها بِمطر (زمان) سقطت أمطار غزيرة وبِكميات كبيرة في مدينتي لكننا هذه المرّة لم نغرق..........
🖊الحسين صبري