شُوَاظُ الغُرْبَةِ
**********
لَقَدْ فُرِضَ النّزوحُ مَعَ اللُّزُومِ
وَبَـــاتَ الفَرُّ مَلْحَــمَةَ العُمُومِ
وَذُقْتُ القَهْرَ وَيْلًا مِنْ خُنُوعٍ
أصَارِعُ فُرْقَةَ الحُضْنِ الرَّؤُومِ
أُجَارِي الظُّلْمَ وَالْأَكْدَار هَبَّتْ
بِأَدْنَاسٍ وَرِجْــــسٍ بِالضُّيُومِ
تُهَاتِفُنِي مَلَائِـــــكَتِي هَزيئًا
ترزَّنْ واجْنِ مِنْ بَلَحِ العُلُومِ
أَنَا مِنْ أُمَّـــةِ الأَشْرَافِ طُهْرٌ
ولا وِجْسًا تَفَاعَلَ بِالمَشُوبِ
أَرَانِي لَيْثَ عُرْبٍ رَغْمَ قَهْرِي
أَصُونُ زِمَامَ قَدْرِي بِالحُجُومِ
إِذَا بَسَطَ التَّغَرُّبُ كُــــلَّ رُكْنٍ
سَيَكْوِي سَيْـــلُهُ فَنَنَ الحلُومِ
وَفِي وَطَنِي غَرِيبُ الأَهْلِ عَارٌ
كَذَبْحٍ مِنْ نُـحُورٍ بِالسُّمُومِ
فِرَاقُ الدَّارِ نَـــارٌ فِي جَنَانِي
كوَتْ كلَّ الجَوَارِحِ بِالحسُومِ
وَكَمْ فِي الهَجْرِ مِنْ قَلْبٍ وَجِيفٍ
يُرِيقُ جَوًى كَأَصْبَاغِ الغُيُومِ
هي الأيـامُ تَحْلَكُ مِنْ رَمَادِ
وَهَلْ يَصْفُو الأَذَى كُنْهَ التُّخُومِ
وَمَا أَنْ دُسْتُ أَرْضًا غَيْرَ جَذْرِي
رَمَوْا شَـــوْكًا عَلَى أَثَرِ القُدُومِ
رَمَوْنِي أَقْبَحَ الأَوْصَافِ عَيْبًا
وَبَــاتَ العُنْفُ طُعْمًا لِلهُجُومِ
فَأَلَّمَنِي البَوَى وَالنَّزْفُ جَارٍ
كَسَيْلٍ جَارفٍ بَيْنَ الرُّدُومِ
خَرِيطَةُ مَهْجَرِي دَارَتْ رَحَاهَا
وَهَشَّمَتِ النَّوَايَــا بِالرُّجُومِ
وَكَمْ فِي الهَجْرِ مِنْ رُوحٍ سَقِيمٍ
يَئِنُّ حُــرُوقَ أَشْوَاقِ الكُلُومِ
رَضَعْتُ الشَّمْسَ مِنْ وَطَنِي بَيَاضًا
وَلَا شَمْسًا هُنـــا بَيْنَ العُجُومِ
إِذَا دَمْعُ العُيُونِ انْسَابَ حَامٍ
يُدَاوِي الخَدَّ كَيًّـــــا بالكَظِيمِ
مُنَايَ حَلِيـلَتِي تَهْوَى حُرُوفِي
وَتَشْرَبُ فَيْضَ شِعْرِي بِالنَّعِيمِ
مُنَايَ صَـغِيرَتِي تَلْـهُو بِذَقْنِي
وَتَمْسَحُ مَا يَسِيلُ كَمَا النَّسِيمِ
أُصَلِّي فِي بِقَـــاعٍ غَيْر مَهْدِي
فَتُحْظَى مُهْجَتِي صَفْوَ الحَكِيمِ
يُدَاوِي بِالنَّوَى شَوْقًا هَلُوعًا
وكيُّ الصَّـــبْرِ تَفْنِيدُ الكَظِيمِ
فَيَا وَيْحِي سَئِمْتُ هُنَا إِبَائِي
بِذُلٍّ ذَيْـــــــــلُهُ ذِئْبُ البَهِيمِ
وَفَقْدُ الْأَهْلِ سُهْدٌ جَاحَ لَيْلًا
تَبِيتُ جُفُونُهُ شِبْهَ الجَذِيمِ
غَرِيبُ اللَّوْنِ مَيْزٌ مِنْ زَمَانٍ
وَيَقْصِفُهُ اللِّسَانُ مِنَ العَدِيمِ
غَرِيبُ النَّفْـسِ جُنْحٌ مِنْ مَلاذٍ
كَطَيْرٍ خَـارِجَ السِّرْبِ العَـظِيمِ
وَمَــــا عِلْمٌ سَيُسْحَقُ بِالتَّرَاخِي
ففتِّتْ كَالرَّحَى سَحْقَ الرَّمِيمِ
أُقَاوِمُ غُرْبَـةَ الْأَقْدَارِ صَبْرًا
وَهَلْ يُخْبِي العَزَاءُ لَظَى الْجَحِيمِ
وَآهَاتٍ مِنَ الأَعْمَاقِ نَارٌ
غدتْ لَهَبًا تَوَهَّجَ بِالهَشِيمِ
وَطَالَتْ حُرْقَتِي وَالدَّمْعُ سَيْلٌ
عَلَى غَسَقِ اللَّيَالِي بِالنَّهِيمِ
غَرِيبٌ فِي بِلَادِ المَيْلِ أَرْنُو
سَمَاعَ تِلَاوَةِ القَوْلِ الحَكِيمِ
لَعَلَّ المَكْرَ قَدْ أَضْحَى سَرَابًا
تَرَى الْأَشْوَاكَ وَرْدًا بِالنَّدِيمِ
تَبِعْنَا المَالَ.. فَارَقْنَا صَبَايَا
وخِلْناهُمْ مِنَ العَـَـــدَمِ اللَّئِيمِ
وَسَلْ مَنْ فِي التَّغَرُّبِ مَا جَنَوْا بَلْ
وَمَا كَسَـبُوا مِنَ الوَيْلِ الفَحِيمِ
وَفَاضَ الْكَأسُ قَطْرَانًا وَلَيْسَ
كَإِحْلِيلِ الفِــجَاجِ مِنَ السَّديمِ
**********
د.محمد خالد الأمين