تراجيدياُ الخرابِ ونشيدُ العتمة
بن عيسی محمد ( الجزائر)
نَمشي فوقَ رُكامِ المدينةِ،
وعلى حُطامِها.
كُلُّ شيءٍ هنا مُنهارٌ،
كَأيامِنا وأحلامِنا.
واللَّيلُ هنا أَثقلُ
على الأهالي المُشرَّدةِ
من شُيوخٍ، وأطفالٍ، ونساء.
---
ما تَبقّى نُسمِّيه وطنًا.
نَقِفُ في العتمةِ،
نَنتظرُ شيئًا لن يأتي،
لكنّ هذا كُلَّ ما تَبقّى لنا.
الانتظارُ هو ما يُبقي جُثثَنا واقفة.
---
في المساءِ القاتمِ،
يَزحفُ الناسُ
بوجوهِهم الضائعة،
بين خَراب البيوتِ والشوارعِ.
أصواتُهم كأنينٍ مكسورٍ،
وقلوبُهم تُصفّقُ للرِّيحِ والعواصف.
---
كنتُ أبحثُ عن بابٍ
واحدٍ لا يُؤدّي إلى الموت،
لكنّ كُلَّ الأبوابِ
كانت تُؤدّي لي،
وتَفتحُ على الظلِّ نفسِه.
---
كُلُّ شيءٍ أكلَهُ الرماد،
ولا أسمعُ إلّا صدى موتى
يَمضون فوقَ الأموات.
---
في داخلي أُمّةٌ كاملة،
أُمّةٌ فاسدةٌ
تنهضُ من قبرِها كُلَّ ليلةٍ
لِتُعيدَ مُحاكمتي:
"لماذا لم تَمُت؟"
هه… كان الموتُ يُكرِّرُ نفسَه،
فالأمواتُ لا يَموتون.
---
أنا مدينةٌ مُحطَّمة،
جدرانُها تَتهاوى
قبل أن يَلمسَها أحد.
الحربُ ليست في الخارج،
الحربُ في داخلي.
---
بداخلي تَمشي المدينةُ
بِرِجلٍ واحدةٍ كعجوزٍ
تتوكّأ على عصًا قديمةٍ
من عِظام الكاهنِ الأعمى،
لِتستقبل اللَّيل
عند مَدخلِها،
وتَصطفُّ الجُثثُ خلفَها
كأعمدةٍ للصلاة.
---
أجلسُ أنا على كُرسيِّ الرِّيح،
أُتأمّلُ المشهدَ،
وأُراجعُ فصولَ الحياة.
خُصلةٌ من شعرِ اللّيلِ الأشيب
تلتصقُ بِمعطفي.
يا للمدينةِ العمياء…
تستسلمُ لقاتلِها،
وتُعانقُهُ
كي تَفوزَ برَحمته.
---
وتَتمدّد كجُثّةٍ
بعد أن تَشرب آخرَ نجمةٍ مُطفأة
من ليلِها الجبان.
---
تَمُرّ عربةٌ سوداءُ بلا سائِق،
تَحمِل التاريخَ،
وأسماءَ الشهداءِ والخَوَنة،
وعناوينَ تُجّارِ الموت.
تَمُرّ بلا تحايا، صامتةً،
كريحٍ حارّةٍ وجافّةٍ؛
تَصفَعُني الفاجعةُ
فأموتُ عَطشًا وجفافًا.
---
وتملأ النصَّ نواقيسُ الكنائس،
وتصدحُ مآذنُ المساجد
من كلّ الجهات.
لقد مات الجميع،
وبقيَ الجنرالُ واقفًا أمام البنكِ المركزيِّ وحده،
بِبذلتِه القديمة.
ولم تَنْتَهِ الحرب.
---