وأخيراً قبّلتها…. مشهد
ليلى عبدالواحد المرّاني
وقفتُ مشدوهةً، وشعورٌ غريب ينتابني، مزيجٌ من فرحٍ وألم… فجأةً أراها أمامي، معشوقتي التي شدَّني الحنين إليها، مُذ طوقتنا المسافات الطويلة، وابتلعنتنا سنون الغربة.
في زيارتي الأخيرة إلى دولةٍ أورپيّة، وفي ساحةً مكشوفةٍ واسعة، أمام مركزٍ تجاريّ ضخم، رأيتها.
لم تكن وحدها، مجموعةٌ من ستٍّ أو سبعٍ أخريات، يحطن بها. هزّني الفرح والاشتياق، اقتربت منها، شممتُ عطرها، وقبّلتها، ونظراتُ تعجّبٍ واندهاش أحسستها ساخرةً تنغرز في ظهري..
غصَّة ٌ حارقة ملأت صدري، كيف سجنوك أيتها الآلهة في قفصٍ خشبيّ؟ أين قامتك المديدة؟ أين شموخكِ؟
كانت وأخواتها، تيجاناً خضراء تزهو بهاءً، رغم اغتيال قاماتها المهيبة… حملني حنيني، جارفاً، موجعاً إلى أرض الأنبياء، أرض السواد… أرض النخيل وعنفوان الحياة، وسؤالٌ يخترق ذاكرتي، أجبتُ عليه متعثُرةً بين دموعٍ مطراً تنهمر:
- ماذا تتذكرين من وطنكِ يا ليلى؟
سألتني الطبيبة النفسية ببرودٍ استفزّني، متعاطفةً مع كآبة اغترابي، وفراق وطنٍ وأولاد.
- النخلة المجيدة، the glorious palm tree …
كان جوابي مباشراً، ولاختزال دهشتها واستفسارها، رسمت لها بيدٍ ترتعش نخلةً عراقيّةً باسقة، بتاجها الأخضر الزاهي، وعراجينها مكتنزةٌ بلآلئ ذهبيّة... واحتفظت بها، صديقتي التي أصبحت..
كيف تقزّمت هنا؟ وكيف طال صبرها سجينةً في قفصٍ خشبيّ، وهي التي ألهبت قريحة شعراءٍ عظام، أنشدوا لها وبها أجملَ ما قيلَ وكُتب... هي الحرّة، الطليقة، ملأت أوسع المديات زهواً وبهاءً... الأرضُ، والهواء، والسماء مرتعها، كيف ارتضت لنفسها قضباناً وعبوديّة!
رغم ذلك، ورغم الأسى، ورغم الحزن المتجذّر، فرحت واستنشقت نفساً عميقاً... رأيتها أخيراً…