مــكــارم الأخــلاق
بقلم الأديب صخر محمد حسين العزة
مقياس الجمال في كُلِّ شيءٍ في الكون يعود لصانع الجمال ، وبديع صُنعه ، فالله عزَّ وجلْ خلق الكون وما أعظم بديع صُنعه ، فخلق الإنسان وكرَّمهُ ووفَّرَ لهُ كُلَّ شيءٍ يحتاجهُ في حياته ، وعلينا أن نشكره على نِعمه التي أنعم بها علينا ، ونحن في الحياة كيف لنا أن نُكمل معاني الجمال والحفاظ على هذا الإبداع وهذا الجمال ، فالبستان الجميل الوارف الظلال لا يكون كذلك إلا إذا رعتهُ يدٌ أمينة في العطاء تزرع فيه البِذار الحسنة وتُسقيه بالمياهِ النقية النظيفة وبالسماد الطبيعي لتحسين تُربته لكي تنمو هذه البِذار ونحصدُ حصاداً طيباُ ووروداً جميلة نتنسمُ عطرها ، وكذلك الحال أيُّ تُحفة معمارية لا تكونُ قوية وجميلة إلا بيد مهندس ماهر أبدع في رسوماته الهندسية وبعد ذلك تجدُ الإنسان المخلص الذي يحافظ على استمرار هذا الجمال من تنظيف وتنظيم وتنسيق .
ولكن يراودني سؤالٌ دائماً هل الجمال يكون فقط في هذه الأشياء الموجودة في الحياة والتي صنعها الإنسان وأبدع فيها ؟!! وكيف للإنسان أن يحافظ على جمال هذا الكون ويضع شتى الطُرق والحلول لُيبعده عن التلوث ؟ ؛ وينسى نفسه التي قد أبدعت ونظمت وصنعت هذا الجمال ؟!! ، وهذا موضوعي الذي أرغب في طرحه . كيف للإنسان أن يُحافظ على جمال نفسه وأن تبقى على الفطرة التي فطرها الله عليها من صفاءٍ ونقاءٍ وحُبٍ للخير ؟ . فلماذا دائماً نُلقي باللائمة على الحياة والزمن ؟ فجمال الحياة أو قُبحها نحن الذي نصنعهُ بأعمالنا وما تُمليه علينا أخلاقنا وأنفسنا ، فكيف لك أن تزرع ورداً لتحصُد شوكاً ؟!! فمن يزرع الورد يحصدُ ورداً ومن يزرع بِذرة طيبة سيكون نتاجها ثماراً طيبة ، فالنفس الإنسانية فيها الطيب والجميل وفيها القبيح والكريه ، فجمال النفس بالحب والود والأخلاق الحميدة من وفاءٍ وصدقٍ وتسامح ، فكُن جميلاً ترى الوجود جميلا ، كما قال الشاعر إيليا أبو ماضي :
هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ لمن يظُن الحياة عِبئاً ثقيلا
والذي نفسهُ بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ كُن جميلاً ترى الوجود جميلا
فجمال الكون وبقاءُ جماله بالتحلي بمكارم الأخلاق والتمسُك بتعاليم ديننا ، ولو سار العالم على نهج خاتم الرُسُل والأنبياء ؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما وجدنا الحروب والويلات التي يعيشها العالم وقد قال رسول الله للناس : ( إنما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق ) فقد ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بحُسن الخُلُق ، وقد قال رسول الله عندما سُئِل عن ذلك: ( أيُّ المؤمنين أفضل قال أحسنهم خُلُقاً ) .
فالأخلاق الحميدة هي المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، وللإخلاق الحميدة طابعان ، فالطابع الأول هو فطرةُ الله التي فطر الإنسان عليها وهي وحيٌ إلهي حباهُ الله فيها كُل الصفات الحميدة ، أما الطابع الثاني فهو إنساني ومُكتسب أي أن للإنسان دخلٌ في ضبط النظام الأخلاقي وهو نظام يجبُ العمل به من أجل الوصول إلى حياةٍ فاضلة خاليةً من كُلِّ مُنغصات الحياة ، فالأخلاق ليست جُزء من الدين الإسلامي فحسب بل هي عبارة عن جوهرة الإسلام وجوهر جميع الديانات السماوية الأُخرى التي كانت تحُثُّ على التحلي بالأحلاق الحميدة والحرص على التعامل بها مع الله عزَّ وجلْ ومع النفس وبقلب نظيف .
فيا أيُها الإنسان تعطَّر بالتقوى والبس لباس الإيمان وازرع بذارالحب والتسامح واسقها بماء المُكرمات التي حضَّ عليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكما قال الشاعر معروف الرُصافي:
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات إذا سُقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المُربي على ساقِ الفضيلة مُثمرات
فالأخلاق القويمة أساس المودة ودمار للعداوة والبغضاء فلنجعل التسامح والعفو مكان الحقد والبغضاء وليكون قدوتنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة فقال لكفار قُريش وهو واقفٌ على باب الكعبة : ( يا ما معشر قُريش ما ترونَ إني فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم ، قال إذهبوا فأنتم الطُلقاء ) وجاء أيضاً في حديثٍ آخر عن البيهقي إذ قال : ( أقولُ لكم كما قال يوسف لأخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفرُ الله لكم ) وهذه كانت من أعظم مراتب التسامح الذي يُرسخ مكانة الرسول وعظمته في تكريس مدرسة مكارم الأخلاق للبشرية جمعاء ومكارم الأخلاق التي تحلَّى بها المسلمون وكانت هي الطريق لانتشار الإسلام في كل العالم هي كالآتي: الصدق والوفاء والحِلُم والمروءة والعدل والمودة والإحسان والصبر والنخوة والشرف وحفظ اللسان والعفة والوفاء والتواضع والكرم والبِر والوقار ، والعزة ، والإيثار ، والرضا والقناعة
هذه جزءٍ من المكارم التي أسست أركان دولة الإسلام وبها سادوا العالم فالأخلاق الحميدة التي أقرها الإسلام كانت ثورة إسلامية لتجعل من المجتمع الإسلامي مُجتمعاُ مُتطوراً وسابقاً لزمانه وعلينا في هذه الأيام أن نزيد التمسُك بأخلاق الإسلام التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تبقى الأخلاق الحميدة هي المنارة الأخلاقية التي تستهوي كُلَّ أبناء آدم وتعمل على أسلمتهم بالجنوح إلى كل ما فيه من سماحة وعلو ، أليس الإسلام خاتم الأديان؟!! والإسلام لا يخافُ على نُبل مبادئه وقُدرتها على فرض نفسها بنفسها ومن دون إكراه من باب تعُلق المؤمن الحق بالأخلاق الحميدة وبدينٍ واضحٍ وجلي بدلائله وبراهينه ولا يحتاج إلى ان يُكرِه أحداً على الدخول فيه فمدرسة الرسول المبنية على قُرآننا الكريم وعلى تعاليم الرسول المبنية على مكارم الأخلاق ، فمن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّرَ بصيرته يدخلُ فيه طواعية وبدون إكراه ، قال تعالى في سورة البقرة – الآية 256 : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
28 / 3 / 2022