كم أنتَ حقيرٌ ..!
بقلم الشاعر فريد المصباحي
نَسيتَ يومَ حلَلتَ
ببَلدةٍ
بلا درهمٍ
ساعَتئذٍ كُنتَ تَجرّ ذيلَ
سِنينٍ عِجافٍ
حَقيرٌ أنتَ ...
نَسيْتَ
بُكاءَكَ وحُزنَكَ
وكنتَ تتَمنى دِرهماً
واحداً به
تَجُولُ وتَصُولُ
وَلمّا كسيْتَ جِسمَك
بلباسِ سِواكَ
تَباهيْتَ وتعاليْتَ
جمعتَ المالَ فَتَمَرَّدتَ
يا حقير لا تَمِلْ
بِوَجهِكَ عَنّي
فلَستَ بأفضَلَ
منّي ولا حتّى
مِثلي
ما أَنا عبدٌ وَلا أَنتَ سيّدٌ
أَنتَ لَم تَصنَعِ المَركبَ
الَّذي تقُودُهُ
وَاللّباسَ الَّذي يَكسُو
عورتَكَ
أَنتَ لا تَأكُلُ من الجنّةِ
إِذا جعْتَ
وَلا تَشرَبُ مِن ماءِ
زمزمَ
إذا عطشتَ
أَنتَ في فراشٍ تتَقلّبُ
تَشكُو من
قِلةِ النّومِ
تُفكّرُ في غدٍ
كيف بالمسرُوقِ
تفُوزُ !
و أنتَ في مالِ اليَتيمِ تَشقَى وتتَعذّبُ
لَكَ في العالمِ الفانِي
أَمانيَ وَطموحاتٍ
والسّماءُ فَوقَكَ تكادُ تتَفطّرُ
من كثرةِ
الخِداعِ والمكرِ
نعَم في ضمِيري
أمنياتٌ وأحلامٌ
جميلةٌ فلستَ الوحيدُ مَن
يتَمنّى
لكن أمانِيَّ كُلَّها بسيطةٌ وآنيةٌ
وَأَمانيكَ يا حقِير
كُلُّها كالجبالِ
قصرٌ من بديعٍ
على شاطىءِ
بحرٍ
وسيارةٌ فارِهةٌ
وزوجةٌ ورَيحانٌ
مِن عِطرِ
باريسَ
وأنطاكيا
وسفرٌ إلى تُركيا
أَمانِيكَ كُلُّها على
حسابِ اليَتامى
والفُقراءِ
والثّكالَى
أحلامُكَ وطُموحاتُك
تظُنّ أنّها
إذا تَحقّقَتْ
سوفَ تُخلدُ
لا لا ياحقيرُ هي أمانيكَ
تَأتي بغفلةٍ منكَ وَتَمضي
كما تَمضي
إلى مثواكَ الأخيرِ
أمثالُكَ كم عَمّرُوا
وَلا شَيءَ من ذلكَ بهِ خُلِدُوا
أَيُّها المَغرورُ المُتكبِّرُ إِذا
أصابتْكَ مُصيبَةٌ
شكوتَ للناسِ
ونسَيْتَ الذي
سوّاكَ
إِذا هاجرتْكَ الأموالُ يوماً
بدأتَ تُوَلوِلُ
وتَنُوحُ ...
أَنتَ مِثلي من صَلصالٍ
ووجهُكَ يتَجَعّدُ
وشَعرُكَ يَشيبُ
أم حسِبتَ أنّ المالَ الذي
تَجمعُهُ من حرامٍ
يُغنيكَ وبهِ تُخلَدُ
ياحقيرُ دَمعي سوفَ يَحرِقُكَ وَبُكائي
وشكوايَ
منكَ وَنَوْحي
ودُعائي سوف
يُردِيكَ
وَابتِسامتي في وجهكَ
سوى سَرابٌ
لا جوهرَ
فيها ولا حياةٌ
وأعلمُ أنّ ابتِساماتَكَ في وجهي
إلاّ نِفاقٌ وخِداعٌ ومَكرٌ
هدفٌ واحِدٌ يَدفعُكَ
إلى التّقارُبِ والتّودّدِ
سكوتٌ وصَمتٌ
عن الشّرِّ
الذي
تُمارِسهُ تَطلُب ...
قياسُ شِبرٍ في قَبرٍ
سيَضمُّنا
وَعَلى نفسِ النّعشِ نُحمَلُ
وَالبِناءُ بِشِبرٍ
عنِ الأرضِ يُرفعُ
إِن يَكُن المالُ الحَرامُ
لِعَينَيكَ مُشرِقٌ
فأنا بالحرامِ
لا أرضَى وأختَنِقُ
لا أَراهُ يُفيدُكَ
بل يأتيكَ ثُعباناً أسوداَ
الدّنيا الَّتي تَراها أكبرَ
همِّكَ
لن تَنفَعَكَ ...
الأموالُ عليكَ وبالٌ
وأسوأ مآلاً
لمّا تَموتُ تَتَوَقَّد
عليكَ
ناراً وبِها
تُشوَى وتُعذّبُ
لَستَ أوّلَ الطاغِينَ
والمُتكبِّرينَ والمَغرُورِينَ
ستَندمُ عَلى غِناكَ
من مالِ الناسِ
وستَتَوجّعُ
أَنا رغمَ القِلّةِ والخَصاصَةِ
في السّعادةِ أتقلّبُ
أَنتَ يا حقِير مِنَ التّرابِ
خُلقتَ وَإِلَيهِ تَصيرُ
فَلِماذا يا حقُود تلتَهبُ
أحشاؤكُ
حسداً
وغيْضاً
كُنتَ في شَقاءٍ وحاجَةٍ
ولم تَرضَ
بالمكتوبِ
فصِرتَ الآنَ في بَحبُوحَةٍ
ونَسيْتَ
أصلَكَ
وفَصلَكَ
وتَبِعتَ خَيطَ دُخّانٍ
حينَ تغدُو شَيخاً
كَبيراً هرِماً
سوفَ تُقذَفُ
في الشّوارعِ
لمّا يَهجركَ أبناؤكَ
الذِين
أطعمتَهُم وألبستَهم
مِن حرامٍ
لَستُ أَدري مِن أَينَ جِئتَ
وَلا ما
كُنتَ عليه
أَو ما تكونُ
لكن أعرِف أنكَ لصٌّ وجبانٌ
نَصيبُكَ مِن الدّنيا قبرٌ
وقِطعةُ قِماشٍ
إنّكَ في الحَياةِ تلهُو وبكَ تلعَبُ
مغرُورٌ أنتَ تعُدّ
المالَ وبِه
تظُنّ أنكَ تَعلُو وتَسعَدُ
الأرضُ والسّماءُ تلْعنُكَ
لا يُصَفِّقُ لكَ
إلاّ كلّ لئيمٍ
رميتَهُ بلُقمةٍ من طعامِ
الناسِ الذي
سرَقتَهُ
تتَودّدُ للناسِ وتَرجُو عطاءَهُم
والخَلقُ كلُّهم من اللهِ يطلبُون
ولهُ يدعونَ
الثَّباتَ والحلالَ
كانَ رِزقُكَ مِن قَبل أَن تَجيءَ إلى الدّنيا مَقسُومٌ
لكنكَ بالقِسمةِ لَم تَرضَ يا حَقِير
الدّنيَا حَقلٌ فاخْتَرْ
منه الحَلالَ الأجودَ
ولا تَجْنِي منه
الحَرامَ الأسودَ
أَرى لكَ مُلكاً كَبيراً
قَد جنَيْتَهُ بِالكذبِ
والتّزويرِ
والخداعِ
أَنتَ في شَرعِ اللهِ
مَقطوعُ اليَدِ والرِّجلِ
بالخِلافِ
بلا خلافٍ
أنتَ لِصٌّ جَنى عَلَى الدّنيا
فَأَفسَدَها
أدنَى حَشرةٍ أسعَد منكَ
والبَعوضَةُ التي على أنفكَ
أقوى منكَ
وأفضَل
هيّء بطنَك المنفُوخَ
بالمسروقِ للدّودِ وفيهِ
سوفَ يمُوجُ
وينهَشُ
تَذُمُّ الدّنيا باللّسانِ
وبالأيْدِي والأقدامِ
تَجرُّها وتَضمُّها
أَيُّها النَّذِلُ
لَستَ إلاّ حقِيراً
وأخبَثاً
مِن تُرابٍ خُلِقتَ
وغداً حجَراً
ستَتَوسّدُ
أنتَ كأفْعَى تَسْعى في البرّيّةِ
أبداً لن تَشبعَ
قَلبُكَ عامرٌ بحبِّ المالِ
وعلى الأحقادِ
والحسدِ تمسِي
وتُصبِحُ
بالمالِ والجاهِ تظُنُّ أنكَ سوفَ
تسُودُ وتُفلِحُ
مالُكَ يَنفَدُ ومصيرُكَ
يا حَقير العَراءُ ...
بقلمي : فريد المصباحي/المغرب