العيش منعزلاً
في الغابِ في رُكنها المستورِ بالشَّجرِ...
في هدأةِ اللَّيلِ في تنهيدةِ السَّحرِ
حملتُ أشجانَ روحي مُنهَكاً تَعباً ...
والحزنُ يسفعُني بالهمِّ والكدرِ
ولجتُ مكتئِباً غاراً تؤانسُني ...
أصداءُ وحشتِهِ عن معشرِ البشرِ
أسلمتُ نفسي لصمتِ اللَّيلِ يَغسلُني ...
من كلِّ خاطرةٍ طافتْ بها فِكَري
جرَّدتُ قلبي من الأوهامِ فانكشفتْ ...
خلف السَّرابِ صحارى التِّيهِ والسَّدرِ
تفاهةُ العيشِ تُضني الفكرَ تجلدُه ...
وتحجرُ الروحَ في زنزانةِ الخدرِ
تُلبِّدُ الوعيَ والإدراكَ تُرهِقُه ...
والمرءُ يُمسي عديمَ الحسِّ كالحجرِ
وتحجبُ النورَ عن أبصارِنا فإذا ...
مطامعُ الكسبِ أسمى غايةِ الظَّفرِ
غدرٌ وحقدٌ وأضغانٌ وشيطنةٌ ...
قدحٌ وذمٌّ نِفاقٌ غيرُ مستتِرِ
ويصبحُ النَّاسُ أشباحاً تحرِّكُهم ...
نجاسةُ العهْرِ والإفسادِ والضَّرَرِ
في لُجَّةِ العمرِ ينسى الخِلُّ صاحبَه ...
يَضيعُ في زحمةِ الأهواءِ والوطرِ
في معبدِ الرَّغباتِ الشَّرُّ قِبلتُهُ ...
يجودُ بالكلِّ قرباناً إلى سَقرِ
ويوجزُ الكونَ في ذاتٍ مضخَّمةٍ ...
توهِمهُ صارَ ربُّ الكونِ والقدرِ
يا من تُعيبُ عليَّ العيشَ منعزلاً ...
إنِّي أرى أخلصَ الخلاَّنِ في الشَّجرِ
أغنى المنازلِ غارٌ أستريحُ به ...
وأحتمي من فضولِ النَّاسِ والهذرِ
ألوذُ بالغابِ مأوىً أستجيرُ به ...
من ربقةِ الرِّجْسِ في المستنقعِ القذرِ
فالعيشُ بين الورى عبءٌ وتهلكَةٌ ...
فاربأْ بنفسِكَ عن دوَّامةِ الخطرِ
ففي الطَّبيعةِ تلقى الرُّوحُ غِبطتَها ...
والنَّفسُ تَطهرُ بين الطَّيرِ والزَّهَرِ
والقلبُ يصفو من الإغواءِ من فِتَنٍ ...
تُرَوِّجُ الشَّرَّ في شتَّى من الصُّورِ
والفكرُ يسمو بعشقِ اللهِ مرتفِعاً ...
فوق الضَّلال ِ وفوق الزِّيفِ والصِّغَرِ
حكمت نايف خولي