(رجل سقط)
لم أكن التقيت به منذ سنوات ، بعد أن باعدت بيننا مشاغل الحياة ،عرفته زميل دراسة ليس إلا ، بقيت تربطنا علاقة زمالة ، وذكرياتٌ مدرسية طيبة تنم عن احترام على الأقل من جانبي .
كانت حياته كلها بؤس وشقاء وقسوة وضنكٌ ، هذه الحياة أدخلته معركة مفتوحة ليس لديه مايخسره بها .
فعدم الخسارة كان مكسباً له ، ومحفزاً قاده للبقاء مصراً على تحقيق مكاسبه .
انتقل لحياة مريحة مادياً بشكل لافت ، حياته ليست حياة رجل عصامي .
ذهبت لزيارته ، بعد فراق لا قطيعة ، ومازلت في ذهني صورة الزميل الطيب الدمث على مقاعد الدراسة .
استقبلني وبدأنا الحديث عن الماضي المشترك ، كنت أحدثه بحماس ولهفة ، اكتشفت أنه يحدثني برتابة مصطنعة كاذبة و يدعي مجداً ليس هو أهلاً له .
انتقل للحديث عن حاضره وعن مجده ونجاحاته بصيغة تدل على قناعة تامة وسلام ولم يكن عنده ضير فيما يقول .
لكن وأنا أتأمل في وجهه شعرت أن هناك وميضاً قد افتقدته بل صرخة قلبت كيانه بل قل شخصاً آخر كل مافيه ضل .
لم أجد الحيوية المعهودة التي كانت سمة روحه ، نبرة صوته التي كلها دفء ضاعت ، وحلت محلها تعليقاته السريعة المقتضبة الجافة ، التي لاتنم إلا عن ضحالة فيه .
افترقنا شعرت انني فقدت حلم أيام جميلة لي ، قدم لي كل واجبات الضيافة لرجل غريب على أكمل وجه .
غادرته في حسرة عليه ، فقد تحول لشخص آخر قد ربح معركة حاضر مؤقت وخسر ماضياًجميلاً ..... بل خسر حياة بكاملها .
غادرت بيته تنفست الصعداء ، انتابني شعور بالرضى والحبور عن ذاتي ....شعور يلامس فيَّ نشوة ماذاق أمثاله طعماً لها .
د.عمر أحمد العلوش