مَدّ وجَزْر
لقد تعبتُ من السير، من الركض، من المَشْي والهرولة ومن التجوال ومن التفكير، وعلى أول حِجارة المرفأ جلسْت، لم تلوح لي الشمس بيدها علامة الوداع، ولم تخرج من البحر حورية، ولا الجالس بجانبي إصطاد سمكة كبيرة في أحشائها خاتم سليمان، لم يصطد شيئًا، ولم يعثر أيضًا على زجاجة بداخلها رسالة كان قد إلقى بها عاشق مُتيّم قبل أن ينتحر، لم يحدث شيء سِوى إنحدار دمع ساخن مالح على الخَدّ حتى أن ذاك الصياد مدَّ لي بِمنديل كبير أبيض يعج برائحة السمك فإلتصقت قشورها وبأظافري صرت أخلع القشور عن وجهي فأنعكس ضوء القمر على سطح البحر وصار كالمرآة فرأيتُ وجهًا مجعدًا ويلمع في آنٍ واحِدٍ فقلتُ في صمت ما هذه الفَوْضى لربما صوتي كان مسموعًا فتَنحْنح الصياد وبصوتٍ أجش قال ما بالك يا ولدي، لم أعره إهتمام ولكن صار يتحدث ويتحدث حتى أنتفخت أوداجه، فقلت له كنت أعتقد أن الصيادين يميلون إلى الصمت مع الصبر ولكنك تتحدث كما يتحدث عاشق قصّ مشاعره أول مرّة، أو كأنك صاحب تلك المركبة، ذاك السائق الذي يعرف جيدًا الطريق التى تقودك إلى الغرام، نظر لي ولم يتفوه بكلمة، لم يصدر ولم يُسمع أي صوت سِوى صوت صنارته وكأنها (غمزت) وأخذ يلفها بيده اليسرى حتى خرجت، خرجت سمكة كبيرة ضخمة وصار يسحبها حتى أمامه وصلت، أمسكها بِكلتا يداه بعدما تبت صنارته الفضية، وشوش في أذنها وخلع من فاهها الطُّعْم ووضعها في حوض كبير مملؤ بالماء فهمدت، همدت للحظة ومن تم صارت تسبح ولربما تبحث لها عن مخرج
أنا أيضًا أبحث عن مخرج من كل الفوضى التى أعيشها، لكنها أي السمكة لا تدري المسكينة بأنها ستكون عشاءً ولذيدًا هذه الليلة، رحل الصياد بعد تمتمة لم أفهمها وغادر على عَجلٍ حاملاً سمكته بعد تعليقها على حزامه وكأنها طريقة مُتبعة لكنه لوح بيده عكس الشمس وداعًا ثم عاد وقال وهو يبتسم لا تنتحر أيها الأحمق أخذ مَنْديله الكبير من يدي وغادر على الفور
نظرت للبحر بعد أن أزيلت تلك القشور وإذ بإبتسامة كبيرة مرسومة على شفاهي ومن تم ضحكت ضحكةً سُمعت أصداؤها المكان حتى أن المار بجانبي سمعته يقول لصديقه ما بال هذا الأحمق، فرد صديقه دعك منه فقريبًا سيقذف هو الاخر بِزجاجة إلى البحر مثل كل الحمقى الذين سبقوه
هناك جزء بسيط قاله ذاك الصياد المتفائل دخل إلى أذني وأستقر من كلامه الكثير والذي لم يبقى منه شيئًا إلا هذا: كن كالبحر وألطم أمواجك على الصخر، أزعق بكل قوتك، ولا تكن كالمدّ والجزر، أهْدأ قليلاً حتى تتمكن من إحتضان القمر.
جمعت كل مشاعري المتناثرة حولي وبعض مما تبقى من أشواقي وبقايا صبري وسكبت حنيني في البحر وودعته ملوحًا بيدي وعدت أدراجي
🖊الحسين صبري