في لوعتي
بنكسُ الرماحِ ثقبٌ بجراحها تضللني
كألفُ طعنْ يستريحُ بالكفِ خباياهُ
و مازالَ في القلبِ يبيتُ بجمراتهِ
وجعٌ يشاطر بمخالبهِ و ما أوجعهُ
القلبُ ليسَ لهُ راحٌ بطيبِ منزلهُ
بلذتهِ كفرٌ حينما رادني بخطاياهُ
فأشكو من لوعةُ الفؤادِ بمرِ ونسٍ
أدنو في هلاكٍ كالغريقِ بما إبتلاهُ
يجاهرني بشوقهِ و يقسو بالحنينِ
فأرسو بنارُ الغيابِ بالجرحِ أحملهُ
هذا الأرقُ كيفَ أردُهُ و الشوقُ ذابحٌ
كربٌ بالروحِ و فراقُ بالدمعِ أبصرهُ
يا من هدني بلوعتهِ بنارُ الرحيلِ
كيفَ تهدني ألماً و غرامكَ أسجدهُ
بذمةِ القيامةِ لي نكبات الدهرِ إنما
بذلِ المقامِ لي عتمةٌ مازلتُ أُبشرهُ
فالهوى بروح الحبيبِ أراقَ بغرامي
فأدمنتُ بقلبي و نهمتُ حتى ثراهُ
و جئتُ حتى أعبدهُ دونَ آلهتي
فغدا عني كافراً الذي كنتُ أعبدهُ
و إني رحتُ بالجنونِ كي أعاشرهُ
فأرادَ قتلي كالشاةِ المذبوح بمناياهُ
كم من سنينٍ رحتُ بها أشقُ
و كم من بابٍ أبكاني ندماً سكناهُ
و كأني نكستُ الدنيا يوما ولادتي
حتى غدتُ كالعنةِ للزمانِ بمراياهُ
ذاك الحبيبُ ما لهُ يذبحني وجعاً
و أنا الذي لم أعشق بربي سواهُ
فيا أيها العابرُ بوجعِ الفراقِ فراقُ
مالكَ تبلِ بقلبي أرقاً فوقَ ما بلاهُ
و كأني حينما أدعو لجرحي أُزعجهُ
أحمقٌ قدري لا أدري كيف أتحملهُ
كفرٌ تباركهُ شحبُ الأحقاد و تثقلُ
حجرٌ يصبحُ بصراخي و لا يسمعهُ
و كأني حين ورثتُ منهُ مرَ كوارثي
أغديتُ كالبلاءِ أضحُ حينَ هوايتهُ
أيها الجرحُ مالكَ تهزي بالأرقِ هماً
و كأنكَ رضيتَ بالألمِ وعمري تغلبهُ
قد صرتُ معكَ حتى بابُ الموتِ
فكيفَ ترهقُ روحً بطعنكَ و تقتلهُ
إني قد أضرحتُ بكلَ أيامي سقمٌ
جمرٌ ينهالُ بظلامُ الليالي فيصرعهُ
مالي و كأني على وجه الأرضِ ثقلٌ
سيفٌ قد نالَ من القلب فأسقطهُ
حتى ضحى المغيبُ بدرب عمري
جرحٌ قد غدا فمالي بالعمرِ أُضيعهُ
كربٌ قد رمى بيا كلَ مواجعهُ
سكرٌ هل أنسى حين خمرهُ أجرعهُ
فمن ذاقَ الويلَ و مضى بمر لوعتهِ
يجني الهمومَ و التعبُ بثوبهِ يرقعهُ
فأشقى زمني كل أحدٍ قد جارني
وما أشقى الحزن بالدمع حين أُمطرهُ
أفلا تكفُ الأقدارُ عني بلعنتها
فهناك جسدٌ مطروحٌ فمن يرفعهُ
إني لا أهدرُ بوقت الأيامِ و إنما
ريح الهلاكِ قد جنى و راحَ يقطعهُ
أعضتُ من وجه خلٍ دمعُ فراقهِ
فأبى الغدرُ إلا بتلك الروح ينزعهُ
ودَعني و كانَ بودي أن لا أُودعهُ
خلى بقلبي و أجهدَ بمن كان منزلهُ
كأنما بذاك الطعنِ كان قد رسى بهِ
راحلاً و قد ظنَ بأن الرحيلَ ينفعهُ
فالقلبُ يكفيهِ من تشتتٌ ما بلغَ
شركٌ مع السنين وجرحٌ بقي يلوعهُ
إذا الزمانُ رضي بالرحيل بمزامعهُ
فإني أنكرُ لزمانِ وجعي و لا أنكرهُ
و ما بمجاهدةِ مفارقٍ لهُ وصلُ
المنايا فطمعُ اللئيمِ الترابُ يشبعهُ
كأنهُ أراهُ راجياً لزمن الأمسِ بعلتهِ
سيأتي حين يعلمُ بفراقي كانَ موجعهُ
ها أنا ألملمُ ورائهُ خيبتي بالحرفُ
الأليمِ وحيٌ في القصيدِةِ أنا أدونهُ
شطرٌ من أوجاعُ السنينِ ترهقني
ألهو بالخبايا جرحٌ لا يقدرني فأُُقدرهُ
فلم أكن أحسبُ الموت سيرافقني
دهرٌ قد جار عليَ بحدِ مخالبهُ
قد كنتُ ربيبُ الدهرِ بنارهِ محترقٌ
فهل لدربُ الصبحِ نورٌ عيني يبصرهُ
روحي مالها بحزنها تشنقُ أنفاسي
مالي أعصرُ هذا القلبْ و أعصرهُ
فلا الأيامُ قد أسعفَ هذا الجسد
و لا الصبرُ للنجاةِ جسراً لأعبرهُ
ُ
تلك هي علتي مع الأيامِ بثقلها
أعدُ بكأسَ هزيمتي بمرهِ فأشربهُ
أشقُ صدر الريح جرحٌ يشاطرني
فيجرني قبرُ الموتْ نحوهُ لأسكنهُ
فتباً لهذا العيشُ الذي قد أهلكني
أشقى بجرحي حينما الألمُ يذكرهُ
كلُ الجدرانِ هي كزنزانةٍ تأسرني
خيبةٌ و كآئبةٌ و حبيبٌ أنا أخسرهُ
أجولْ وحيداً بذلَ غربتي بجحيمي
و لا للراحتي بابٌ لكي أقصدهُ
فتسرقني الليالي بوحشةِ الظلامِ
أدنو سواداً و لا من فجراً أشرقهُ
غربةٍ و قد أضحتْ كالقدرِ تقطعني
يا لعاري كيف ذاك المتوفي أحسدهُ
فغدتْ تبعثرني صلواتي كدخانُ النارِ
يحترقُ ألماً القلبُ و الريحُ يبعثرهُ
قد أضنى الحلم في الردى كسرتهُ
و دارَ زمني كلما بدمعي أمسكهُ
فطبطب بالجراحِ يامن أورثني الضررُ
هذا الحزنُ يكسرني و لا أكسُرهُ
برعشةُ الموتِ أرقصُ وجعاً بغيابهِ
أبكي بباب الندمِ و بالدمعِ أنتظرهُ
موجوعٌ قلبي على من تغنى بغربتهِ
فأحسنْ خاتمتي يا الله بما أرضاهُ
فليسَ لديني خجلٌ لو أنه أنصفني
هذا الكفرُ و هذا السقامُ الذي رواهُ
فأي دينٍ للحبيبِ حينما يكسرني
يهجرني بلا عذرٍ و بالروح أفناهُ
فأضوعُ بين ظُلماتِ الليالي حجراً
و هو براحُ الحلمِ ينامُ مُغمِضٌ بجفناهُ
علتي منقصةٌ مهما تحكى للعابرينَ
و حزني مقدسٌ بالشركِ فما عساهُ
العينُ غريقٌ بدمعهِ كلما دارَ طيفهُ
فدارَ القلبُ بمرِ لوعتهِ بنارٍ قد شواهُ
أنالُ من جفى الفؤادِ ثراهُ
و في القلبِ لهيبُ نارٍ أراهُ
و كإنَ لخافقي جرحٌ أورثني
حتى استوى الحزنُ وجفاهُ
هاكَ اليدينِ كبيضُ الثلجِ
يحملني و دارُ الغبارِ قد بناهُ
فأعدُ الليالي بضجر الوقتِ
كئيبٌ سفرُ الريحِ بمرِ صَداهُ
أناجي بصلاة الحرفِ محترقٌ
و أدنُ بالكدرِ برمحِ عِدَاهُ
مالهُ يبرحني ذاك الجرحُ شريداً
فالجرح غدا عمراً و قد كفاهُ
بسراب الهوى كم هامتي منقلبةٌ
و العينُ من الدمعِ بحرٌ جناهُ
تلكَ الحكايا كم جارحةٌ سكنها
كثوبُ الأحلام البغيض بثراهُ
مالكَ تمضي بسوادي شارداً
و الروحُ قد أشقى بموتي ونداهُ
فيا عبثاً قد شدني لضياعي
فكيفَ أردهُ و الروحُ قد غواهُ
مضتْ بسيفها تذبحني يمامتي
و جسدي لم يعدْ واقفاً بقواهُ
أعومُ بجسدي بحور الطينِ غارقٌ
و الحبيبُ مازالَ السكينُ بيداهُ
فأشهْر سيوفكَ بوجع الطعنِ
و ارميني حجراً لحيثُ لا أراهُ
دع جدارُ النسيانِ يصلبني
بدمِ المقتول الذي قد رماهُ
أكانَ لجرحي راحةٌ بمنزلهُ
أم أن موتي قد دارَ بنجاهُ
فيا قاتلي هل أشبعتَ شركَ
بقتلي أم عانيتَ مثلي بعماهُ
إني أراكَ قد بعتَ نهديكَ للغريبِ
فلما برخصٍ الجسدِ لكَ علاهُ
كم كان سيرةُ الأيامِ ذليلٌ
و كم ألمي ثقيلٌ بما ابتلاهُ
فأمدُ بذراعي بذكرى الرحيلِ
منكسرٌ وسكرةُ الندمِ خمرٌ سقاهُ
جفني حجرٌ يسدُ دربَ المنامِ
و العمرُ بكرب الأيامِ غريقٌ ببكاهُ
فكيفَ تعدني راسباً كالأمواتِ
و كان عمري سماك بعطرِ شذاهُ
الصبحُ قد غدا بالمغيبِ راجياً
و قلبي خلفَ رحيلكَ النارُ كواهُ
فقد أوفيتَ زمنُ الطيبِ سقمٌ
فما أشقى زمني و ما أقساهُ
و إني ماذكرتهُ يوماً الا للتلاقي
فحسبي لربي فمازلتُ اهواهُ
هو ذاك الشهيقُ و ذاكَ الزفير
يالنعمةِ الحياةِ لو بنظرةٍ ألقاهُ
لأرسو بأحضان الموتِ مبتسماً
فلا عيشٌ يسكنني و لاحياةٍ بلاهُ
فلا أغضُ عنهُ ناظري و أنسى
فمن يسكنُ الروحَ كيفَ أنساهُ
مصطفى محمد كبار
حلب سوريا ....... ٢٠٢٣/١١/١١