الجزء الثالث من مقالة حقيقة الإنسان :
ثُمَّ تتلاشى كُلُّ الخواطِرِ والأفكارِ السَّلبيَّةِ في نفوسِنا
عندما نُدرِكُ أنَّنا طُلاَّبٌ نجتازُ امتحانَ الحياةِ
وعلى كُلِّ طالبٍ أن يَكُدَّ ويتْعبَ ويُكافِحَ ويُعاني المَرارةَ
وضَنكَ العيشِ ليَنالَ الفوزَ والنَّجاحَ ؛ فبقدرِ ما تَنْجَلي في أعماقِنا
صورَةُ الله ِالحقيقيِّ وبقدر ما نَكْتشِفُ في ذواتِنا أنَّنا ومضاتٌ
من هذا الإلهِ بقدرِ ما نُقَيِّمُ ونُقَدِّرُ ذواتَنا حَقَّ التَّقْييمِ والتَّقْدير .
وهنا لم يَعُدْ الموتُ إلاَّ أمنيةً جميلَةً نَتشَهَّاها ونتمنَّاها
لأنَّ الموتَ هنا نهايةُ غُرْبةٍ
قاسيةٍ ، مريرةٍ وطويلَةٍ نقضيها بالآلامِ والدُّموعِ ؛
فما أجمَلَ وأحلى عودة المهاجِرِ
إلى وطَنِهِ الأصيلِ .
وهذا ليس شِعراً وخيالاً كما يَدَّعي من أقْفَلَ
على عقلِهِ بالجَّهلِ وحَجَرَ فكرَهُ بِجحْرِ
المادِّيَّةِ والعبثيَّةِ والضَّياعِ ...
فالعقْلُ أفسَحُ وأرحَبُ منَ الكونِ فكيفَ نحْصُرُهُ ونُحَدِّدُهُ
بكتلةٍ تافِهَةٍ منَ اللَّحْمِ هي تلافيفُ الدِّماغِ ؟
وكيف نُحاولُ أن نُخْضِعَ جوهَريَّةَ هذا
العقْلِ لمبْضَعِ جرَّاحٍ مغْرورٍ يَتصَوَّرُ
أنَّ العقلَ الذي يُبرْمِجُ الوجودَ ويُنظِّمُ الكونَ
خاضِعٌ لمشيئةِ مبضَعِهِ ؟ والعقلُ بنوعيَّةِ جوهَرِهِ
أبعدُ منالاً من أيَّةِ سيطرَةٍ مادِّيَةٍ
وهنا تبدأُ الحِكايَةُ : أنا العَقْلُ الإنسانيُّ خَلَقَني اللهُ
وسوّاَني لأُشارِكَهُ خلودَهُ وبقاءَهُ
ولأَفْعَلَ معهُ في الكونِ إبْداعاً وخَلْقاً وتَرتيباً ..
فأنا يَدُهُ الفاعِلَةُ المُنَفِّذَةُ في الوجودِ
المادِّيِّ ، وبقدرِ ما أعي مُهمَّتي بقدر
ما أتحَمَّلُ مسؤوليَّةَ بناءِ وتطويرِ هذا العالمِ
لا هدمَهُ وتخْريبَهُ .
وهكذا تُصْبحُ لحياتي على الأرضِ
أسمى المعاني وأكمَلَ الأهدافِ ...
فأنا قَبَسٌ منَ اللهِ وعليَّ تَقَعُ مُهمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ
وغايةٌ ساميَةٌ هي أن أعملَ في الكونِ
وأُعَمِّرَهُ لأنَّني صورَةُ التَّجلِّي المادِّيِّ لقدرَةِ اللهِ اللاَّمادِّيَةِ
الفاعِلَةِ والمُتَخَفِّيَةِ وراءَ الكونِ المادِّيِّ .
حكمت نايف خولي