رَحى الطَّاحونِ
في كُلِّ يومٍ
رَحى الطَّاحونِ تَدورُ
غيرَ آَبهةٍ
تُعرِّي حَبَّاتِ القَمحِ
من غيرِ خَجلٍ ولا وَجلٍ
وتَسْحَقُ
في الَّليلِ تَغتالُ َصَدى الحِكاياتِ
وفي الأَصباحِ
كُلَّ الفَراشاتِ تَقتنِصُ
تَدورُ وتَدورُ
وأطيافٌ تَمورُ
تارةً أَسبِقُها
ودوماً هي تَفوزُ
تَدورُ وتَدورُ
لا زَمَنٌ يوقِفُها ولا دَهرٌ
لا مَدٌ يطالُها ولا جَزْرٌ
تحتَ وَقْعِ ضَرباتِها
جبابرةٌ تَهوي
وعروش تَخُورُ
رَحى الطَّحَّانِ
قاسيةٌ مِثلَ فاجِعةٍ
وماكرةٌ مِثلَ سَريرةٍ
تَغنَمُ مِن الفرائِسِ ما تَرومُ
ولا نَاجٍ من بينِ فَكَّيِها
أبداً يُدبِرُ
لا حَجمُ المناصِبِ يَعْنيها
ولا الحُظُواتُ تُرهِبُها
حينما تَدورُ
لا تَعبأُ بالشَّمسِ
ولا بِلونِ القَمرِ
وإِجلالاً لَها تَقِفُ الأرضُ
وتَسجُدُ
يُراهنُ الخَلْقُ
على أنَّها ذاتَ يومٍ
سَوفَ تَمَلُّ وتَتعَبُ
وتُحرِّرُ من قَبضتِها
كُتُبَ التَّاريخِ الحبيسةِ
وسَراحَ الشُّموسِ
سوفَ تُطلِقُ
ولَكِنَّها تَدورُ وتَدورُ
وما مِن عَرَّافٍ أفلحَ
ولا المُنَّجِمينَ صَدقوا
رَحى الطَّاحونِ
لا القانونُ يَردَعُها
ولا الدَّساتيرُ مَعها تَنفَعُ
تَرفَعُ من تَشاءُ حيناً
وحيناً إلى الدَّرْكِ الأسفلِ
تُنزِلُه وبعنفوانِه تَخسِفُ
هي أُحجِيَّةُ الأحاجيّ
وهي الُّلغزُ العَسيرُ
ما فَكَّ طلاسِمُها حَاذِقٌ
وما أدركَ أسرارَها
النَّوابِغُ
لا عَتمَةٌ تَردَعُها
ولا ضَوءُ النَّهارِ
يُثنيها عمَّا تَلتمِسُ
دَعْ عَنكَ كُنْهَها واِتْرِكْها
تَسيرُ إلى حيثُ هي تَرغَبُ
واِمضِ غَيرَ هَيَّابٍ
لما قد يَنشَبُ
فبعضُ المَعرفةِ نِّقمَةٌ
وبعضُ التَّجاهُلِ
في ظلِّ جَبروتِ
رَّحى الطَّاحونِ
نِعمةٌ
جورج عازار "قاص وشاعر سوري"
ستوكهولم السويد
اللوحة للفنان التشكيلي السوري المبدع: يعقوب اسحق