الاثنين، 2 يونيو 2025

Hiamemaloha

مقال / الوطن للمهندس أبو أكبر فتحي الخريشه

 .                            * ٱلْوَطَنُ *

 تَقَدَّمَتْ شَابَّةٌ تُلَوِّحُ لِآدَمَ مِنْ وَسَطِ ٱلْجُمهُورِ، قَائِلَةً لَهُ بِصَوتٍ يُشَابِهُ هَدِيرَ ٱلْبَحرِ حِينَ ٱصطِخَابِهِ قُبَيْلَ ٱلْمَسَاءِ، أَخْبِرنَا شَيْئًا عَنِ ٱلْوَطَنِ، أَيُّهَا ٱلْأَخُ ٱلْمُعَلِّمُ آدَمُ.

 ٱبْتَسَمَ آدَمُ وبَعضٌ مِنْ ٱبْتِسَامَتِهِ ٱرتَسَمَتْ مَدَايَاتُهَا حَولَ عَيْنَيْهِ وَعَلَىٰ أَطرَافِ حَاجِبَيْهِ، ثُمَّ شَرَعَ قَائِلًا:

 إِنَّ وَطَنِي أَكْبَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَظُنُّ ٱلْحَمقَىٰ وَٱلْمُضَلَّلُونَ، فَوَطَنِي لَيْسَ لَهُ حُدُودٌ، بَلْ هُوَ ٱلَّذِي يَتَجَاوَزُ ٱلْحُدُودَ ٱلْمُصطَنَعَةَ ٱلَّتِي غُرِسَت بِٱلتَّسَلُّطِ وٱلْأَطمَاعِ وٱلْعَصَبِيَّةِ وٱلْكَرَاهِيَّةِ وَٱلدِّمَاءِ وَٱلْأَحقَادِ، إنَّهُ يَتَخَطَّىٰ ٱلْمَتَارِيسَ وٱلْحَوَاجِزَ وٱلرَّايَاتِ وٱلْأَشْيَاكَ ٱلَّتِي تَنتَشِرُ أَورَامًا خَبِيثَةً عَلَىٰ كُرَةِ ٱلْأَرضِ كَمَا ٱلْأَوبِئَةِ فِي قُلُوبِ ٱلنَّاسِ الضُّعفاءِ الأغبِيَاءِ.

 إِنَّ وَطَنِي ٱلْكُرَةُ ٱلْأَرضِيَّةُ بِكَافَّةِ قَارَّاتِهَا وأَقَالِيمِهَا وبِحَارِهَا ومُحِيطَاتِهَا، فلئِن حَلَلَّتُ فِي بَلَدٍ مَا فَكُلُّ كُلِّهِ وَطَنِي، ولَا أَنْتَظِرُ بِطَاقَةً تُجِيرُهُ لِيَ وَطَنًا مِن إدارَةٍ بَلهَاءٍ، وَمَهْدُ نَشأتِي ٱلَّذِي فِي دُفَيتِرِ ٱلِٱنتِمَاءِ لَا أَتَخَلَّىٰ عَن بَقِيعَةٍ مِنهُ ٱلْبَتَّةَ وإِن عَنهُ مِن ضَيْمٍ وٱضطِهَادٍ ٱرتَحَلتُ، ولَئِن مُنِعَ أَكْثَرُهُ عَنِّي أَو بَعضٌ مِنهُ فَهَيْهَاتَ أَنْ يُلغِيَ حُبَّهُ مِنِ ٱنتِمَائِي، إِنَّهُ كَمِثلِ ٱلْجَسَدِ ٱلْوَاحِدِ لَا يَكْتَمِلُ دُونَ كُلِّهِ وكُلُّ ٱقْتِطَاعٍ يَصِيرُ عَلَيْهِ لِمَزَقٍ هُوَ ٱلْبَتْرُ وٱلتَّشْوِيهُ وٱلْقُبحُ صِنوُ كُرَةِ ٱلْأَرضِ وَمَا عَلَيْهَا قَدْ وَقَعَ مِن أَخْبَالِ حُدُودٍ.

 أَلَا إِنَّ عَشِيرَتِي هُمْ أَبنَاءُ جِلدَتِي، أَبنَاءُ ٱلْإِنسَانِ، ٱلْأُنَاسِيُّ جَمِيعُهُمْ عَلَىٰ ٱخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمْ ومَلَامِحِهِمْ ولُغَاتِهِمْ وعَقَائِدِهِمْ وطَوَائِفِهِمْ ومَذَاهِبِهِمْ وأَعرَافِهِمْ وعَادَاتِهِمْ وتَقَالِيدِهِمْ كُلُّهُمْ إِخْوَتِي.

 نَعَمْ، إِنَّ عَشِيرَتِي هِيَ ٱلْعَشِيرَةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ وكُلُّ مَا دُونَهَا قُوقَعَةٌ لِحُمقٍ مِنْ خَبلَةٍ وتَضلِيلٍ مِن عَصَبِيَّاتٍ، فٱلْحَرِّيُّ جَوهَرُ ٱلِٱنتِمَاءِ لَا لِلجُزْءِ ٱلْمَقْسُومِ بَلْ لِلكُلِّ ٱلصَّحِيحِ.

 ولِتَعْلَمُوا أَنَّ وَطَنِي كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَيهِ بَصَرِي وعِلمِي ومَعرِفَتِي، فَكُلُّ ٱلنُّجُومِ وٱلْكَوَاكِبِ وَٱلْأَقْمَارِ وَٱلْمَجَرَّاتِ وَمَا فِي سَمَاءٍ وسَمَاوَاتٍ بَعضٌ مِّن مَوطِنِي، لِأَنَّ وَطَنِي يَتَخَطَّىٰ ٱلْأَرضَ أَيْضًا لِيَشْمَلَ كُلَّ ٱلْكَونِ ٱلْعَظِيمِ، ومِن ثَمَّ كُلَّ ٱلْأَكْوَانِ فِي أُبَّهَةِ ٱلطَّيِّ وَٱلِٱتِّسَاعِ ويَتَخَطَّاهَا إِلَىٰ كُلِّ ٱلْعَالَمِ وكُلّ مَا يُمْكِنُ أَن يَصِلَهُ تَأَمُّلِي مِن تَفْكِيرٍ وخَيَالٍ وأَحلَامِي مِنْ أُمْنِيَاتٍ، وكَذَا ومِن إِشْرَاقٍ يَومِضُ أَو يَفِيضُ ومِن نُورٍ يَنبَعِثُ مِن بَصِيرَتِي، وَكَذَٰلِكَ ٱلْحَرِّيُّ لِذِي عَقْلٍ مُنَوَّرٍ وفُؤَادٍ نَقِيٍّ هُوَ وَطَنُهُ، ووَطَنُ كُلِّ مِّنكُمْ عَلَىٰ ٱلسَّوَاءِ.

 أَلَا إِنَّ كُلَّ ذِي نَسْمَةِ حَيَاةٍ تَجْنَحُ فِي ٱلسَّلَامِ وٱلْجَمَالِ وٱلنُّورِ هِيَ وَطَنِي، ومَا كَانَتِ ٱلظُّلمَةُ وٱلشَّرُّ، وكَذَا ٱلِٱنقِسَامُ وٱلتَّشَرْذُمُ وَطَنًا إِلَّا لِلْأَشْرَارِ وَٱلْأَغْبِيَاءِ، وما صُورَةُ الأشرَارِ إلّا الذِّئَابُ والضِّبَاعُ وكانَ الأغبِيَاءُ والمُسْتسْلِمُون هُمُ حَوشَةَ القَطِيعِ.

 نَعَمْ يَا إِخْوَتِي، إِنَّ ٱلْمَحَبَّةَ وٱلْخَيْرَ وٱلْحُرِّيَّةَ وَطَنِي، هَذَا هُوَ وَطَنِي، وهَذَا هُوَ ٱلْوَطَنُ ٱلْحَقُّ لِلْإِنسَانِ ٱلْكَامِلِ ٱلْمُتَجَلِّي بِنُورِ ٱلْمَحَبَّةِ عَلَىٰ ٱلْوُجُودِ.

 وَطَنِي وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ ٱلْقِسْمَةَ ومُتَّصِلٌ بِبَعضِهِ لَا يَنفَصِلُ، وإِخْوَتِي فِيهِ ٱلْأَحرَارُ ٱلنُّبَلَاءُ ٱلْإِنسِيُّونَ ٱلْكَوَامِلُ، وكُلُّ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ فِي سَمَاحَةِ ٱلْمَحَبَّةِ وعَطَاءِ ٱلْخَيرِ ونَضرَةِ ٱلْحُرِّيَّةِ ونَقَاءِ ٱلسَّلَامِ وَرَونَقِ ٱلْحُسْنِ كذا هُمْ أبنَاءُ وَطنِي.

 أَمَّا أَبنَاءُ ٱلظَّلَامِ مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ هُمُ ٱلشَّيَاطِينُ وَٱلْأَبَالِسَةُ وَٱلْغِيلَانُ وٱلْعَبِيدُ ٱلْمُزَمِّرُونَ لِلطَّوَاغِيتِ ٱلطُّغَاةِ وٱلزَّاحِفُونَ عَلَىٰ دُرُوبِ ٱلتَّفْرِقَةِ وٱلتَّقْسِيمِ وٱلْفِتَنِ وٱلْمُدَالاَسَةِ وٱلْخِيَانَةِ وٱلْخِدَاعِ وٱلنِّفَاقِ وٱلْجُبْنِ، وكَذَا ٱلَّذِينَ لِكُلِّ شَرٍّ مِن عَلَنٍ وخَلْفَ حِجَابٍ لَا جِدَالَ هُمْ أَعدَاءُ ٱلْوَطَنِ ٱلْحَقَّانِيِّ وأَعدَاءُ زَهْرَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلنَّاسِ ٱلْمُزهِرِينَ فِي ٱلضِّيَاءِ، ألآ ٱلْحرِّيُّ لَا مَنَاصَ مُقَاوَمَتُهُمْ قُدسِيَّةٌ مُقَدَّسَةٌ فِي كُلِّ مِيدَانٍ مِنَ ٱلْمَيَادِينِ عَلَىٰ صَيرُورَةِ ٱلزَّمَانِ وفِي كُلِّ مَكَانٍ.

 إِنَّ نُشُوبَ الحُرُوبِ والمَعَارِكِ الطَّاحِنَةِ ومَا يَنْجُمُ عَنْهَا مِنْ كَوَارِثَ ووَيْلَاتٍ وقَتْلٍ ودَمَارٍ وتَشَرُّدٍ وحَرِيقٍ هُوَ نَتِيجَةُ صِرَاعِ الأَوبَاشِ المُسْتَبِدِينَ والسَّفَلَةِ المَأجُورِينَ واللُّصُوصِ الأَوغَادِ عَلَىٰ الثَّرَوَاتِ وَالسُّلْطَةِ وأُبَّهَةِ العَيْشِ فَوقَ بِسَاطِ الأهوَاءِ الدُّونِيَّةِ المُتراقِصَة عَلىٰ مِرآةِ الأنةِ المُغَمَسَة فِي مَنقعِ حَمَاقَةِ الظَّاهِرِ الفَتَّان، فَإِذَا الأَرضُ فِي دَيْمُومَةِ تَقْسِيمٍ إِلَى مَمَالِكِ وَدُوَيْلَاتٍ. 

 ألآ إِنَّ إِخْضَاعَ الآخَرِينَ لِلٱسْتِغْلَالِ والنَّهْبِ وٱلاِسْتِعبَادِ، وكَذَا التَّجَبُّرَ عَلَيْهِمْ وظُلْمَهُمْ يُفَجِّرُ الثَّورَاتِ وفَوضَىٰ الفِتَنِ المَاحِقَةِ، ويُمتَرِسُ النَّاسُ فِي جَمَاعَاتٍ وأَحزَابٍ مُسَلَّحَةٍ وَجُيُوشٍ مُدَجَّجَةٍ بِأَسْلِحَةِ التَّدمِيرِ، وتَدْرَؤُهُمْ فِي حَوطَةِ قِلَاعٍ ووَهْمِ أَوطَانٍ مِنْ وَطَنِيَّاتٍ مُزَيَّفَةٍ وفي أفكارٍ تَصِيرُ عَليهِمْ كَمَا العَنَاكِبُ والأفعُوَانَات.

 ألآ كَيْفَ لَا تَنشَبُ فَوضَىٰ ٱلِاضْطِرَابَاتِ وَٱلْمَعَارِكُ ٱلْوَحشِيَّةُ وٱلْحُرُوبُ ٱلْفَاتِكَةُ وٱلْعَصَبِيَّاتُ تَفْصِلُ بَيْنَ ٱلْقَبَائِلِ وَٱلْقَومِيَّاتِ وَٱلشُّعُوبِ وٱلْأُمَمِ، تَدفَعُ النَّاسَ لِلتَّمَتْرُسِ خَلْفَ خَوَادِعِ أَزْيَافِ ٱلْحُدُودِ وللتَّجلببِ فِي أسْمَالِ ٱسْتِبْدَادِ ٱلْأَدْيَانِ وكذا اللُّهَاثُ وَرَاء ٱلْمُعتَقَدَاتِ ٱلْفِكْرِيَّةِ ٱلْفَاسِدَةِ، فهَلْ كَانَت كُلُّ تِلكَ المَفاسِدُ إلَّا وعَلَيْهَا جَبَابِرَةُ ٱلشَّرِّ بِكُلِّ فَسَادٍ وإِفْسَادٍ يَستثمِرُونَ ويَتَسَلَّطُونَ.

 كَيْفَ لَا تَجْرِي ٱلدِّمَاءُ أَنْهَارًا وَكُلٌّ يَربِضُ بِوَحشِيَّةِ وُحُوشِ جُيُوشِهِ مُرَابِطًا عَلَى حُدُودِ ٱلْآخَرِ، كُلٌّ يُرسِلُ فِتَنَهُ للطَّرفِ الآخرِ بِلؤْمِ كَيْدٍ مَقِيتٍ، كَيْفَ لَا يَعُمُّ ٱلنَّهْبُ بِأَحَابِيلِ ٱلْخُدَعِ وَبِٱلسَّطْوِ ٱلْمُسَلَّحِ وَكُلٌّ يَنْظُرُ إِلَى مَا فِي يَدِ ٱلْآخَرِ مِنْ ثَرَوَاتٍ مَهْدُورَةٍ أَو مَمْنُوعَةٍ وأَوبِئَةُ ٱلْفَسَادِ وَٱلْإِفْسَادِ تَنْتَشِرُ بِٱلسُّمُومِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ ودَربٍ.

 كَيْفَ لَا تَصعَدُ ٱلْكَرَاهِيَّةُ وَتَسْتَمْرَأُ ٱلْأَحقَادَ، وكُلٌّ يَعِيشُ فِي عُزْلَةٍ عَنِ ٱلْآخَرِ، مِنْ خَوفٍ وَرُعبٍ وَأَنَانِيَّةٍ عَميَاءَ.  

 كَيْفَ لَا يَعُمُّ بَلَاءُ ٱلْأَرزَاءِ وَهُنَالِكَ فُقَرَاءُ ومُسْتَضْعَفُونَ عَلَى دِمَائِهِمْ مَقَابِضُ ٱلْعَنَاكِبِ وتَسْتَبِيحُ أَجْسَادَهُمُ ٱلضِّبَاعُ وَتَقْبِضُ عَلَى أَروَاحِهِمْ أَنيَابُ أَشْرَارِ حُكُومَاتِ ٱلشَّرِيرِ المُتخَفِّي تحت الجِلدِ والسَّارِي في دِمَاءِ المُجْتَمَعَاتِ.

 كَيْفَ لَا تُعَزَّزَ فِكْرَةُ ٱلْوَطَنِيَّةِ ٱلنَّزِقَةِ ٱلسَّخِيفَةِ لِأَوطَانٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ وَطَنِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْحُثَالَةُ تَقُودُ ٱلسَّوقَةَ ٱلرُّعَاعَ وَٱلنُّخَبَ ٱلتَّافِهَةَ إِلَى مُسْتَنْقَعِ كُلِّ ٱخْتِلَافٍ لِغَوَايَةِ ٱلْأَطْمَاعِ ولِضَلَالِ ٱلِانْتِمَاءِ، تَقُودُهُمْ كَمَا قُطْعَانِ ٱلدَّوَابِّ عَلَى مَذْبَحِ ٱلْأَهْوَاءِ وٱلْجَهَالَاتِ وٱلْأَخَادِيعِ لِلٱنْقِسَامِ وٱلتَّقْسِيمِ، وَلَنْ يُجْمَعُوهُمْ لِحَوشَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا لِحَظِيرَةِ ٱلْعُبُودَةِ والٱسْتِعبَادِ.

 إِنَّ ٱلْخَلَاصُ ٱلْوَحِيدَ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَارِ ٱلتَّمَزُّقِ وَٱلتَّشَرذُمِ وٱلْفِتَنِ ٱلْمُهْلِكَةِ وٱلْحُرُوبِ ٱلْفَتَّاكَةِ إِحيَاءُ رُوحِ ٱلْإِنْسِيِّ فِي ٱلْإِنسَانِ وٱلْعَودَةُ إِلَى ٱلْوَطَنِ ٱلْحَقِيقِيِّ لِلْإِنْسَانِ، ٱلْعَودُ إِلَى ٱلْأَرضِ كُلِّ ٱلْأَرضِ دُونَ حُدُودٍ ومَتَارِيسَ ودُونَ سَخَافَةِ تَفرِقَةٍ لِأَعرَاقٍ وأَلْوَانٍ ومَلَامِحَ فِي قُشُورِ أَفْكَارٍ ولِصِرَاعِ أَدْيُنٍ وتَبَايُنِ مَذَاهِبَ ولُغَاتٍ، ثُمَّ ٱلْأَمْثَلُ فَٱلْأَمثَلُ الرُّجُوعُ إِلَى ٱلْأُمَّةِ ٱلْوَاحِدَةِ وَٱلْعَقِيدَةِ ٱلْوَاحِدَةِ ومَا تِلْكَ ٱلْأُمَّةُ إِلَّا ٱلْإِنْسَانِيَّةُ بِمُعْتَقَدِهَا ٱلْأَسْمَىٰ ٱلْإِنْسِيَّةُ، ومَا الإنسِيَّة إلَّا جَوهَرُ الإنسَانِيَّةِ لِفُطنَاءٍ يَتفَكَّرُونَ، إِنَّهَا ٱلْعَقِيدَةُ ٱلْخَلَاصُ ٱلْحَقُّ ٱلَّتِي تَسْمُو بِٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ إِلَى لُبِّ ٱلْمُسَاوَاةِ وٱلْأُخُوَّةِ ولِكُلِّ حُرَّةِ ٱنْطِلَاقةٍ وحَقٍّ كَامِلٍ وحَقِيقَةٍ بَلْجَاءِ.

 إِنَّ الإِنسَانَ لا يَبلُغُ سِرَّ العَظَمَةِ ومَقَامَ العُلُوِّ ونُورَ الوَعيِ ولا يَنبَغِي لَهُ إِلَّا عِندَمَا يُدرِكُ أَنَّ وَطَنَهُ كُلُّ الأَرضِ دُونَ أَيِّ تَجزِئَةٍ وتَقسِيمٍ وعلى أيِّ كَوكبٍ مِنْ بَعدُ تَصِيرُ، وعِندَمَا يَنتَمِي إِلَى الأُسرَةِ الإِنسَانِيَّةِ إنْتِماءً حَقِيقِيًا لا مِن خِداعًا وزَيْفٍ، لَا فَرقَ بَينَ النَّاسِ وَإِنِ ٱختَلَفَت أَلوَانُهُم ولُغَاتُهُم وعَقَائِدُهُم وطَرَائِقُهُم، إِذِ الكُلُّ أَبنَاءُ الإِنسَانِيَّةِ، والطُّوبَىٰ لِلَّذِينَ بِالوَعيِ الأَكبَرِ عَلَىٰ عَسَالَةِ المَحَبَّةِ وَالأُدمَةِ والٱنتِمَاءِ الصَّادِقِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَجمَعِين.

 أَلَا الوَعيُ الحَقِيقِيُّ يَدفَعُ النَّاسَ أَن يَنطِقُوا كَذَلِكَ بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيُّهَا أَكثَرُ ٱنتِشَارًا وأَكثَرُ تَقَبُّلًا وٱختِيَارًا، إِذْ لَا يَنبَغِي لِلإِخوَانِ أَن يَتَخَاطَبُوا بِوَاسِطَةِ مُتَرجِمٍ، ولَا يَنبَغِي لِسَمَّاعَةِ الذَّاتِ أَنْ تَقَعَ عَلَىٰ صَوتٍ غَيرِ صَوتِ المُتَكَلِّمِ بأصلِ الحَرفِ المَنطُوقِ علىٰ لِسَانِ الجَمِيعِ والخَارجُ مِن ثنَايَا فُؤادِهِ ومَدَايَاتِ رُوحِهِ لَا مِنْ شَرِيحَةِ تَقنِيَّاتٍ، إِنَّ الوَطنَ الوَاحِدَ لِلعَشِيرَةِ الوَاحِدَةِ يَفرِضُ عَلَينَا لُغَةً وَاحِدَةً، إِذِ الحَرِيُّ نُورُ الوَعيِ يَتَفَوَّقُ عَلَىٰ كُلِّ مَا فِي حَيَاتِنَا مِن أُمُورٍ قَد تَمُورُ عَن جَادَّةِ الحَقِّ لِضَبطِهَا لِرِعَايَةِ صَالِحِ الجَمِيع.

 أَلَا الحَرِيُّ الأُمَمُ تَتَّحِدُ لِأُمَّةِ الإِنسَانِ الوَاحِدَةِ جَوهَرًا لَا ظَاهِرًا وَلَا عَبَابِيدَ مُتَفَرِّقَةً لِهَيئَةِ أُمَمٍ قِشرِيَّةٍ يَسُوقُهَا الأَقوَىٰ الخَبِيثُ وَضِبَاعٌ عَلَىٰ فَرَائِسَ.

 ٱعلَمُوا إِنَّ المِثالَ النَّموذَجِيَّ السَّامِي الصَّعبَ بِالجُهدِ الصَّادِقِ وعُمرِ الأَجيَالِ سَيَكُونُ مِنَ المُمكِنِ والمُمكِنِ السَّهلِ، أَلآ لَا مَنَاصَ لِلنَّاسِ أَجمَعِينَ من الحَيَاةِ فِي أَسْنَىٰ النُّورِ ولِحَقِّ أُلفَةِ الٱجْتِمَاعِ النُّورَانِيِّ فِي وَطَنِ الإِنسَانِ.

 ٱنظُرُوا يَا مَلَأَ العِلمِ والمَعرِفَةِ كَم مِن مَدَائِنَ فِي الأَرضِ مِثلُ مَدَائِنِ السِّيَاحَةِ يَلتَقِي فِيهَا النَّاسُ مِن كُلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ فِي إِقَامَةِ المَسَرَّةِ وأُلفَةِ الٱنسِجَامِ، تَجمَعُهُم أَجنِحَةُ المَحَبَّةِ وزَوَاهِرُ الجَمَالِ مَحبُورِينَ آمِنِينَ، هَذَا مثلٌ لِنزعِ قُيُودِ العَصَبِيَّات عَنْ أجْنِحَةِ الوِئَامِ.

 أَلَا لِكُلٍّ أَنْ يُمَارِسَ مَا يَشَاءُ مِن فِكرٍ ومُعتَقَدٍ فَلَا ٱعتِدَاءَ، إِذِ الكُلُّ إِخوَانٌ فِي الإِنسَانِيَّةِ وَفِي دَولَةِ الإِنسَانِ، كُونُوا كَمَا طُيُورُ السَّلَامِ فِي الأَجْوَاءِ وعَلَىٰ الحُقُولِ والمُرُوجِ، تَبَادَلُوا العَطَاءَ والأَخذَ كَمَا النَّحلُ والأَزهَارُ، كُونُوا مَعًا قَطَرَاتٍ مُتَجَانِسَةً فِي بَحرٍ وَاحِدٍ مُتَّحِدِينَ عَلَىٰ بَسَاطِ الصَّفَاءِ وعَلَىٰ مَائِدَةِ المَحَبَّةِ وفِي دَائِرَةِ الضِّيَاءِ، تَجَمَّعُوا بِطَاقَةِ الجَمَالِ لِنُورِكُمُ البَهِيِّ الأَسْمَىٰ.

 ٱعلَمُوا إِيهٍ يَا أَحِبَّةَ الكَمَالِ والحُرِّيَّةِ والسَّلَامِ، الَّذِي أَقُولُ لَكُم بِنُورَاءِ فَهَامَةٍ والحَقُ الذي أقولُ إِنَّكُم أَبنَاءُ رُوحٍ وَاحِدَةٍ ونَفسٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّكُم كَمَا الأَورَاقُ وَالأَثمَارُ عَلَىٰ الفُرُوعِ فِي سَاقِ الشَّجَرَةِ الوَاحِدَةِ، أَنتُمْ مِن جُذُورٍ وَاحِدَةٍ تَفَلَّقَت مِن ذَاتِ البَذرَةِ، كُلُّكُم مِن جِبلَّةٍ وَاحِدَةٍ ومِن إِشرَاقِ ضِيَاءٍ وَاحِدٍ، ولَكِنَّ التَّفَاوُتَ الحَقَّ هُوَ أَيُّكُم أَكثَرُ سُمُوًّا وإِقَامَةً فِي لُبِّ الإِنسَانِ وفِي جَمَالِ الإِنسَانِيَّةِ حَيَاةً وحُضُورًا وإزدِهَارًا.

... 

           من كتاب (الإنسَانُ النُّورَانِيُّ الكَامِلُ) لمُؤلفه :

              المهندس أبو أكبر فتحي الخريشه (آدم)

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :