السبت، 23 مارس 2024

Hiamemaloha

مقال / حقيقة الإنسان للشاعر حكمت نايف خولي

 هذه المقالة تقع في ثلاثة أجزاء سأنشرها بالتتالي

كل يومين جزء :

حقيقَةُ الإنسان

أيها الإنسانُ الكئيبُ المكدودُ ما لي

أراكَ دائمَ التَّذمُّرِ والشَّكوى والأنين؟

أُحسُّ بكَ وكأنَّكَ أضعْتَ ذاتَكَ فأصْبحْتَ

هائماً تائهاً في صَحارى مُقْفرَةٍ جَدْباء

أُحِسُّ في أعماقِكَ صَقيعَ الوحدَةِ الموحِشةِ

وكأنَّكَ تَقفُ وحيداً في خِضَمِّ الأهوالِ ،

تَتقاذَفُكَ أمواجُ اليأْسِ والضَّياعِ ......

حُشودٌ من الخواطِرِ الجارِحَةِ تُدْمي نَفسَكَ بأشْواكِها اللاذِعَةِ ...

تحاوِلُ أن تَفْلُتَ وتَفُرَّ منها ، فتَقْمعُها

وتُخْفيها في أعماقِكَ السَّحيقَةِ وتَتخَيَّلُ ،

وبكُلِّ بساطَةٍ ، أنَّها اخْتَفتْ وتَلاشَتْ ....

ثُمَّ تُحاولُ أن ترْميَ كُلَّ

ثِقَلِها المكْبوتِ والمُؤْلِمِ على ظروفِ حياتِكَ المَعيشيَّةِ

وعلى ما تُعاني من آلامٍ جَسَديَّةٍ

ونَفسيَّةٍ ....ألا ترى يا أخي أنَّ كُلَّ هذه المُحاولاتِ

ليسَتْ سوى حيلٍ لِتُخْفي وراءها

حَقيقةَ مُعاناتِكَ ومَرَضِكَ ؟

فالإنسانُ كائنٌ عاقِلٌ يَعي ويُدْرِكُ ويَتساءلُ

ويُحاولُ أن يُمَنطِقَ القَضايا والأُمورَ ،

ويُحِسُّ في أعْماقِهِ بتَساؤُلٍ وُجوديٍّ خَطيرٍ ومريرٍ...

من أنا في هذا الكون ؟ وما الهَدَفُ والغايَةُ من وجودي فيهِ؟

وهلْ أنا أقِفُ وحيداً مُنعزِلاً أمامَ أعاصيرِ الوُجودِ؟

حاوَلَ فِكْرُ الإنسانِ أن يُجيبَ على هذه التَّساؤلاتِ

عبْرَ الزَّمانِ الطَّويلِ ومن خِلالِ

الأساطيرِ وآلافِ المذاهِبِ الفَلسَفيَّةِ والدِّينيَّةِ...

وكمْ شَهَدَ تاريخُ الفِكْرِ حروباً وصِراعاتٍ مَريرَةً

ودامِيَةً من خِلالِ مُحاولاتِهِ الإجابَةَ عليها

فقَد نَجَحتْ بعْضُ المَذاهِبِ بإدْخالِ

شيٍء منَ الطَّمأنينةِ إلى فِكْرِ الإنسانِ وفَشِلَتْ

مذاهِبٌ كثيرَةٌ في أدائها ....وأنا لا أُريدُ

أن أغوصَ في هذا الخِضَمِّ المُرْعِبِ

والمُخيفِ ... صِراعُ الأفْكارِ .

ولكِنَّني أتَساءَلُ هنا عنِ السَّبَبِ العَميقِ

الكامِنِ وراءَ الشُّعورِ بالضَّياعِ

وبعَبَثيَّةِ الحياة. وأعْتَقِدُ أن الجَّوابَ بسيطٌ ؛

ففقْدانُ الإحْساسِ بالغائيَّةِ والقَصْديَّةِ واسْتمْراريَّةِ

الحياةِ الفرْديَّةِ يَخْلُقُ عند الإنسانِ

الشُّعورَ بالتَّذَمُّرِ وبتَفاهَةِ وعَبثيَّةِ ما يَقومُ به

ويَسْعى إليهِ . فإذا لم يَشْعُر الإنسانُ بقصْدٍ وغايَةٍ

وهَدَفٍ يَعيشُ ويَسْعى له ،وباسْتمْراريَّةِ

مفاعيلِ هذا الهَدفِ تُصْبِحُ كُلُّ أحاسيسِهِ عَبثيَّةً

وسلْبيَّةً وكأنَّهُ يَقومُ بتَمْثيلِ دورٍ تافِهٍ

فُرِضَ عليهِ بدونِ قَناعَةٍ وقُبولٍ منهُ

ومن هذا الإحْساسِ بالعَبَثيَّةِ والضَّياعِ

ولا جَدْوى الحياةِ تَنْبُعُ كُلُّ المشاعِرِ السَّلْبيَّةِ الأخرى .

يَقِفُ الإنسانُ أمامَ الموتِ مُتَسائلاً :

لماذا أنا في هذا الوُجودِ ؟ لماذا جِئتُ وأعيشُ

وأتحَمَّلُ كُلَّ هذه العذابات ؟ أليسَ كُلُّ

هذا ضَياعا بضَياعٍ وتَفاهة بتفاهةٍ ؟

يَهرُبُ من كابوسِ هذه الأفكارِ فيقْمَعُها ويكْبُتُها

ليعيشَ حياةَ التَّفاهةِ مُنغمِساً بشَتَّى

ألوانِ المِتعِ الكاذِبةِ المُزَيَّفَةِ

ما دامَ كُلُّ شَيءٍ سَيَنتهي إلى التُّرابِ فلماذا

لا يَغْرُفُ من كُلِّ شَيءٍ وبلا حسابٍ؟

ما دامَ كُلُّ شَيءٍ إلى زوالٍ فمنَ المُحالِ

أن يُبْقي الإنسانُ على شَيءٍ من القِيَمِ في أعماقِهِ

حكمت نايف خولي

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :