رموز العطاء وبناة الأمم
الله عز وجل عندما خلق البشرية جعلهم طبقات وذلك لحكمة فلا يمكن أن تكون طبقة واحدة كأن نقول الأثرياء ورجال الأعمال ، أو طبقة واحدة كلها زعماء وأمراء ، فمن سيقوم بأعمال البناء أو الزراعة أو الصناعات أو أي أعمال أخرى على مختلف أنواعها فكان لا بد من التنويع بين بني البشر ، وهذا التنويع مقرون أيضاً بالعلم ، فالعلم أيضاً طبقات ودرجات وقال الله تعالى في سورة الأنعام – الآية 165 : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
وفي هذه الآية الكريمة التي تنص أن الله استخلف الإنسان على الأرض ليبنيها ويعمرها وجعلهم فوق بعضهم درجات إذ خالف في الأحوال بين الناس فمنهم من بسط رزقه ففضله بما أعطاه من المال والغنى على الفقير فيما خوله من أسباب الدنيا ، فلولا هذا التوزيع الرباني بين الناس فكيف سيعمُر الكون وفي آية كريمة أخرى قال الله تعالى في سورة الزخرف – الآية32 : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }وهي تؤكد إن الله سخر الناس بعضهم لبعضاً ليكدوا ويعملوا ويبنوا هذا الكون .
يصادف كل عام في واحد أيار عيد العمال وهو يوم يتم فيه تكريم بناة الأوطان من الطبقات العاملة والتي بدونهم لا تتطور الأمم ولا تُشيد البنيان فهم عماد أي أمة ناجحة ، فنجاح الأمم المتطوره بطبقتها العاملة بكدهم وتعبهم في كل المجالات وفي كل مناحي الحياة وقال رسول الله الكريم عن الإمام البيهقي –عن عائشة أم المؤمنين إنها قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) وفي هذا الحديث الشريف يحض على إتقان العمل لمن قام بعمل معين فمحبة الله لهذا العبد بما يقدمه في عمله من إخلاص وتفانِ ، وقد جاء تسمية هذا اليوم واعتباره عيداً للعمل وذلك على إثر إضرابات إجتاحت إمريكا في أول أيار عام 1886م وكانت مطالب العمال تحديد ساعات العمل ثماني ساعات ، فكان هذا اليوم عيداً مع أنهم يحتفلون فيه وهم على رأس أعمالهم ، فماذا نقول لهم وكل واحد منهم على رأس عمله فمنهم من يبني أو عامل نظافة يُنظف الشوارع ومنهم من يفترشون الأرض ليأكلوا على عجل ويسارعوا للعودة لأعمالهم فلا وقت للراحة لهم مع متطلبات اوطانهم فبسواعدهم المتينة يبنون أوطانهم ومنهم من يذود عن حمى الوطن فكل في مجال عمله ، ولكن أين أرباب العمل من هؤلاء الأبطال الذين يكدون ويتعبون من أجل أن يبقى وطنهم شامخاً ونظيفاً ، وأوجه رسالتي إلى أصحاب الأعمال أن يراعوا هؤلاء من رجال أو نساء أو حتى أطفال وأن يضعوا مخافة الله أمام أعينهم وذلك بتأمين حقوقهم ومكتسباتهم وهم مؤتمنون من الله عليهم في رزقهم ومعيشتهم وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطو الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ، فعليهم الحفاظ على حقهم في ساعات العمل وحقهم في الإستقرار الوظيفي الدائم وحقهم في التأمين الصحي والضمان ونهاية الخدمة ، وكل هذه الأمور تجعلهم منتمين لعملهم ولمؤسساتهم فما تقدموه لهم من حُسن العطاء ستجدوا منهم حُسن الأداء والعمل الدؤوب والمثمر وتعزز عنده حس الإنتماء لمؤسسته وعكس ذلك سيضعف انتماء العامل لمؤسسته ، ويؤدي إلى نتائج عكسية فمحاربة الناس في أرزاقهم أمر في غاية الخطورة ويقول الله تعالى في سورة التوبة – الآية 105 : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا مجال لتجاهل مطالب هذه الفئة التي بنت وعلت ورسمت لنا ملامح الغد المشرق ..انهم فئة العمال
فتحية إكبار وإجلالٍ لهم كل في موقعه من عمال وصُناع ومعلمين وأطباء وممرضين وجنود وفي كل المجالات في المجتمع فهم صانعوا الحياة ورموز العطاء وبناة الحضارة الإنسانية ولله در الشاعر المهدي الجوهري الذي قال في قصيده في عيدهم أقتبس منها الأبيات التاليه :
حيَّيتُ "أيَّاراً" بعطر شذاتي ، وخَصَصْـتُه بالمحض من نَفَحاتي
فوحقِّ "أيَّار ٍ" وعمَّال ٍ به ... راياتُهم في عيدهم راياتي
يا أيُّها العُمَّالُ سُمرُ زنودهم صَفَحاتُ تأريخ ٍ ، وسِفرُ حياة ِ
يا أيُّها الواعون أرهَفَ حِسَّهم صَخَبُ الحديد ، وضجَّةُ الآلات ِ
أنتم رؤى الماضي ، وأنتم حاضرُ يُجلى ، وأنتم رمزُ جيل ٍ آتي
وعلى كواهلكم مصايرُ أُمَّة ٍ ، تَغنى بكم عن ناهبين غزاة ِ
صخر محمد حسين العزه
عمان – الأردن
1 / 5 / 2024